ما رَكَنْتُ إلى الدنيا، ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضبُ لله أن تستحل حرمُهُ، ولكنني أحببتُ أن أعلمَ رأيك، فزدتني بصيرة مع بصيرتي، فانظري يا أمه، فإني مقتول من يومي هذا، فلا يشتد حزنك، وسلمي لأمر الله، فإن ابنك لم يتعمد إتيان منكر، ولا عملا بفاحشة، ولم يجر في حكم الله، ولم يغدر في أمان، ولم يتعمد ظلم مسلم ولا معاهد، ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به، بل أنكرته، ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي، اللهم إني لا أقول هذا تزكية مني لنفسي -أنت أعلم بي- ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني، فقالت أمه: إني لأرجو من الله أن يكون عزائي فيك حسنًا إن تقدَّمتني، وإن تقدَّمتُك ففي نفسي حرجٌ حتى أنظر إلام يصير أمرك، قال: يا أمه جزاك الله خيرًا! فلا تَدَعي الدعاء لي قبل وبعد، فقالت: لا أدعه أبدًا، فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق، ثم قالت:"اللهم ارحم طول ذلك القيام في الليل الطويل، وذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة، وبره بأبيه وبي، اللهم قد سلمته لأمرك فيه، ورضيت بما قضيت، فأثبني في عبد الله ثواب الصابرين الشاكرين". ثم ودعها وخرج.