للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٥٧- خطبته حين ولى المغيرة بن شعبة الكوفة:

ولما ولَّى معاوية المغيرة بن شعبة الكوفة في جمادى سنة ٤هـ دعاه، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

"أما بعد: فإن لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا١، وقد قال المتلمس:

لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا ... وما علم الإنسان إلا ليعلما

وقد يُجزِي٢ الحكيم بغير التعليم، وقد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة، فأنا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني، ويسعد سلطاني، وتصلح به رعيتي، ولست تاركا إيصاءك بخصلة: لا تَتَحَمَّ٣ عن شتم علي وذمه، والترحم على عثمان، والاستغفار له، والعيب على أصحاب علي، والإقصاء لهم، وترك الاستماع منهم، وبإطراء شيعة عثمان رضوان الله عليه، والإدناء لهم، والاستماع منهم".

فقال المغيرة: "قد جَرَّبْتُ وجُرِّبْتُ، وعملت قبلك لغيرك، فلم يذمم بي دفع ولا رفع، ولا وضع، فستبلو٤ فتحمد، أو تذُمّ" قال: "بل نحمد إن شاء الله".

"تاريخ الطبري ٦: ١٤١"


١ من أمثال العرب المشهورة: "إن العصا قرعت لذي الحلم" وهو مثل يضرب لمن إذا نُبِّه انتبه، وأول من قرعت له العصا عامر بن الظرب العدواني؛ وقيل: هو قيس بن خالد، وقيل: ربيعة بن مخاشن، وقيل: عمرو بن حمة الدوسي، وقيل عمرو بن مالك، ذكروا أن عامر بن الظرب كان أحد حكام العرب المشهورين: لا تعدل بفهمه فهما، ولا بحكمه حكما، فلما طعن في السن أنكر من عقله شيئا، فقال لبنيه: إنه قد كبرت سني، وعرض لي سهو، فإذا رأيتموني خرجت من كلامي، وأخذت في غيره، فاقرعوا لي المجن بالعصا، وقال المتلمس يريده:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
... البيت
٢ يجزي مسهل عن يجزئ أي يغني، يقال: أجزأت عنك مجزأ فلان: أي أغنيت عنك مغناه.
٣ احتمى وتحمى: امتنع.
٤ أي تختبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>