للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفانيًا بباقٍ، ألا ترون أنكم في أسلاب١ الهالكين، وسيخلفها من بعدكم الباقون، كذلك حتى تُردوا إلى خير الوارثين، ثم أنتم في كل يوم تشيعون غاديًا ورائحًا إلى الله، قد قضى نحبه٢ وبلغ أجله، ثم تغيبونه في صدع٣ من الأرض، ثم تدعونه غير مُوسَدٍ ولا مُمهَدٍ، قد خلع الأسبابَ، وفارقَ الأحبابَ، وواجه الحسابَ، مرتَهَنًا بعمله، غنيًّا عما ترك، فقيرًا إلى ما قَدَّمَ، وايم الله إني لأقول لكم هذه المقالة وما أعلم عند أحد منكم من الذنوب أكثر مما عندي، فأستغفر الله لي ولكم، وما تبلغنا عن أحد منكم حاجة يتسع لها ما عندنا إلا سددناها، ولا أحد منكم إلا وددت أن يده مع يدي، ولحمتي٤ الذين يَلُونني، حتى يستوي عيشنا وعيشكم، وايم الله إني لو أردتُ غير هذا من عيش أو غضارة٥ لكان اللسان مني ناطقا ذلولا، عالما بأسبابه، لكنه مضى من الله كتاب ناطق وسنة عادلة، دلَّ فيها على طاعته، ونهى فيها عن معصيته"، ثم بكى، فتلقى دموع عينيه بطرف ردائه، ثم نزل، فلم يُرَ على تلك الأعواد حتى قبضه الله.

"البيان والتبيين ٢: ٦٠، والعقد الفريد ٢: ١٤٤، وتاريخ الطبري ٨: ١٤٠، وشرح ابن أبي الحديد م١: ص٤٧٠؛ والأغاني ٨: ١٥٢، وعيون الأخبار م٢: ص٢٤٦، وسيرة عمر بن عبد العزيز لابن الجوزي ص٢٢٢، ولابن عبد الحكم ص٤١ و١٣٦".


١ جمع سلب بالتحريك: وهو ما يسلب.
٢ النحب: الأجل، والحاجة، والنذر.
٣ شق.
٤ اللحمة: القرابة.
٥ الغضارة: النعمة، والسعة، والخصب.

<<  <  ج: ص:  >  >>