للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٠٢- خطبة يزيد بن الوليد حين قتل الوليد بن يزيد: ١

حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

"أيها الناس: والله ما خرجت أشرا ولا بطرا، ولا حرصا على الدنيا، ولا رغبة في الملك، وما بي إطراء نفسي، وإني لظلوم لها إن لم يرحمني الله، ولكن خرجت غضبا لله ودينه، داعيا إلى الله، وإلى سنة نبيه، لما هديت معالم الهدى، وأطفئ نور أهل التوقي، وظهر الجبار العنيد٢، المستحل لكل حرمة، والراكب لكل بدعة، الكافر بيوم الحساب، وإنه لابن عمي في النسب، وكفيئي٣ في الحسب، فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره، وسألته ألا يكلني إلى نفسي، ودعوت إلى ذلك من أجابني من أهل ولايتي، حتى أراح الله منه العباد، وطهر منه البلاد، بحوله وقوته، لا بحولي وقوتي.

أيها الناس: إن لكم علي ألا أضع حجرًا على حجر، ولا لبنة على لبنة، ولا أكرى٤ نهرًا، ولا أكنز مالا، ولا أعطيه زوجًا، ولا ولدًا، ولا أنقله من بلد إلى


١ قتل الوليد بن يزيد بن عبد الملك لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ١٢٦هـ، وكان قبل الخلافة منهمكا في اللهو، وشرب الخمر، وانتهاك حرمات الله، فلما أفضت إليه الخلافة، لم يزدد إلا انغماسًا في اللذات، واستهتارًا بالمعاصي، ذلك إلى ما ارتكبه من إغضاب أكابر أهله، والإساءة إليهم، وتنفيرهم، فاجتمعوا عليه مع أعيان رعيته، وهجموا عليه وقتلوه، وكان المتولي لذلك يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وقد ولي الخلافة بعده، وتوفي هلال ذي الحجة سنة ١٢٦.
٢ يشير إلى ما حدث من الوليد بن يزيد من أنه استفتح فألا في المصحف فخرج: {وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ} ، فنصبه غرضًا للنشاب، وأقبل يرميه حتى مزقه، وهو يقول:
أتوعد كل جبار عنيد ... فهأنذاك جبار عنيد
إذا لاقيت ربك يوم حشر ... فقل يارب مزقني الوليد
٣ كفيئه وكفؤه بضم الكاف وكفاؤه بكسرها: مثله.
٤ كرى النهر: استحدث حفره.

<<  <  ج: ص:  >  >>