للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومكافحة، ومعاينة وسماعًا، وما أعلم منه فوق ما تعلمان، وقد كان من أمر يزيد ما سبقتم إليه وإلى تجويزه، وقد علم الله ما أحاول به من أمر الرعية، من سد الخلل، ولَمِّ الصدع بولاية يزيد، بما أيقظ العين، وأحمد الفعل، هذا معناي في يزيد، وفيكما فضل القرابة، وحظوة العلم، وكمال المروءة، وقد أصبت من ذلك عند يزيد على المناظرة والمقابلة، ما أعياني مثله عندكما، وعند غيركما، مع علمه بالسنة وقراءة القرآن، والحلم الذي يرجح بالصم١ الصلاب، وقد علمتما أن الرسول المحفوظ بعصمة الرسالة، قدم على الصديق والفاروق، ومن دونهما من أكابر الصحابة، وأوائل المهاجرين، يوم غزوة ذات السلاسل٢، من لم يقارب القوم، ولم يعاندهم٣، برتبة في قرابة موصولة، ولا سنة مذكورة، فقادهم الرجل بأمره، وجمع بهم صلاتهم، وحفظ عليهم فيئه، وقال ولم يُقَلْ معه، وفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أسوة حسنة، فمهلا بني عبد المطلب، فإنا وأنتم شِعْبَا نفعٍ وجِدّ، وما زلتُ أرجو الإنصاف في اجتماعكما، فما يقول القائل إلا بفضل قولكما، فرُدَّا على ذي رحم مستعتب، ما يحمد به البصيرة في عتابكما، وأستغفر الله لي ولكما".

فتيسر ابن عباس للكلام، ونصب يده للمخاطبة، فأشار إليه الحسين وقال: على رسلك، فأنا المراد، ونصيبي في التهمة أوفر، فأمسك ابن عباس، فقام الحسين:


١ الصم جمع أصم: وهو الحجر الصلب المصمت.
٢ غزوة ذات السلاسل، وهي وراء وادي القرى من أرض بني عذرة: غزاها سرية عمرو بن العاص سنة ثمانٍ للهجرة، وكان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعثه يستنفر العرب إلى الشأم، فلما كان على ماء بأرض جذام، يقال له: السلسل -وبذلك سميت تلك الغزوة غزوة ذات السلاسل- خاف، فبعث إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستمده، فبعث إليه رسول الله أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين، فيهم أبو بكر وعمر، وقال لأبي عبيدة حين وجهه: لا تختلفا، فخرج أبو عبيدة، حتى إذا قدم عليه، قال له عمرو: إنما جئت مددًا لي، قال أبو عبيدة: لا، ولكني على ما أنا عليه، وأنت على ما أنت عليه -وكان أبو عبيدة رجلا لينًا سهلا، هينًا عليه أمر الدنيا- فقال له عمرو: بل أنت مدد لي، فقال له أبو عبيدة: يا عمرو، إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لي: لا تختلفا، وإنك إن عصيتني أطعتك، قال: فإني الأمير عليك، وأنت مدد لي، قال: فدونك، فصلى عمرو بالناس.
٣ المعاندة: المفارقة، أي ولم يمتز عليهم برتبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>