للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف" فأصغيت فزجرت؛ فعاودت فظلفت١، فقلت: بم تهينمون٢، وإلام تعتزون٣؟ قالوا: "خطاب كبَّار٤، جاء من عند الملك الجبار؛ فاسمع يا شصار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تنج من أوار٥ النار فقلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: "فرقان بين الكفر والإيمان، رسول من مصر، من أهل المدر، ابتعث فظهر؛ فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجًا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألف بالآى الكبر" قلت: ومن هذا المبعوث من مضر؟ قال: "أحمد خير البشر؛ فإن آمنت أعطيت الشبر٦، وإن خالفت أصليت سقر؛ فآمنت يا خنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل كافر، وشايع كل مؤمن طاهر، وإلا فهو الفراق، لا عن تلاق قلت: من أين أبغي هذا الدين؟ قال: من ذات الأحرين٧ والنفر اليمانين، أهل الماء والطين، قلت: أوضح، قال: "الحق بيثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل٨؛ فهناك أهل الطول والفضل، والمواساة والبذل، ثم امَّلس٩ عني، فبت مذعورًا أراعي الصباح، فلما برق لي النور، امتطيت راحلتي، وآذنت١٠ أعبدي، واحتملت بأهلي، حتى وردت الجوف، فرددت الإبل على أربابها، بحولها وسقابها١١، وأقبلت أريد صنعاء؛ فأصبت بها معاذ بن جبل أميرًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام، وعلمني سورًا من القرآن، فمن الله علي بالهدى بعد الضلالة، والعلم بعد الجهالة".

"الأمالي ١:١٣٣".


١ منعت.
٢ الهينمة: الصوت الخفي.
٣ تنتسبون.
٤ كبير.
٥ الأوار: حر النار.
٦ الشبر بالسكون: الخير وحرك للسجع.
٧ الحرة "بالفتح" أرض ذات حجارة نخرة سود وتجمع على حرات وحرار وحرين وأحرين.
٨ النعل: المكان الغليظ من الحرة.
٩ أفلت.
١٠ أعلمت.
١ الحول جمع حائل وهي الأنثى من أولاد الإبل، والسقاب جمع سقب كشمس وهو الذكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>