للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣٢٦- خطبة الغضبان بن القبعثرى يحضّ على قتل الحجاج:

لما هلك بشر بن مروان، وولي الحجاج العراق، بلغ ذلك أهل العراق، فقام الغضبان بن القبعثرى الشيباني بالمسجد الجامع بالكوفة خطيبًا، حمد الله، وأثنى عليه، ثم قال:

"يا أهل العراق، ويا أهل الكوفة، إن عبد الملك قد ولى عليكم من لا يقبل من محسنكم، ولا يتجاوز عن مسيئكم، الظلوم الغشوم١ الحجاج، ألا وإن لكم من عبد الملك منزلة، بما كان منكم من خذلان مصعب٢ وقتله؛ فاعترضوا هذا الخبيث في الطريق فاقتلوه، فإن ذلك لا يعد منكم خلعًا، إنه متى يعلُ على متن منبركم، وصدر سريركم، وقاعة قصركم، ثم قتلتموه عُدَّ خلعًا، فأطيعوني وتغدوا به، قبل أن يتعشى بكم".

فقال له أهل الكوفة: "جبنت يا غضبان، بل ننتظر سيرته، فإن رأينا منكرًا غيرناه" قال: ستعلمون. فلما قدم الحجاج الكوفة بلغته مقالته، فأمر به، فأقام في حبسه ثلاث سنين.

"مروج الذهب ٢: ١٤٦"


١ الظلوم.
٢ وذلك أن مصعب بن الزبير لما كان على العراق حج سنة ٧١، فقدم على أخيه عبد الله بن الزبير، ومعه وجوه أهل العراق، وسأله أن يعطيهم، فأبى وقبض يده، فلما حرمهم ابن الزبير ما عنده فسدت قلوبهم، فراسلوا عبد الملك بن مروان، حتى خرج إلى مصعب وقاتله، فما هو إلا أن التقوا حتى حولوا وجوههم، وصاروا إلى عبد الملك، وبقي مصعبٌ في شرذمة قليلة، فجاءه عبيد الله بن ظبيان -وكان مع مصعب- فقال: أين الناس أيها الأمير؟ فقال: قد غدرتم يا أهل العراق! فرفع عبيد الله السيف ليضرب مصعبًا؛ فبدره مصعبٌ فضربه بالسيف على البيضة، فنشب السيف في البيضة، فجاء غلام لعبيد الله بن ظبيان فضرب مصعبًا بالسيف فقتله، ثم جاء عبيد الله برأسه إلى عبد الملك بن مروان، فلما نظر إلى رأس مصعب خرَّ ساجدًا. قال عبيد الله بن ظبيان -وكان من فتاك العرب- ما ندمت على شيء قط ندمي على عبد الملك بن مروان، إذ أتيته برأس مصعب فخر ساجدًا، أن لا أكون ضربت عنقه، فأكون قد قتلت ملكي العرب في يوم واحد.
"٢٢ -جمهرة خطب العرب- ثان"

<<  <  ج: ص:  >  >>