"إن الله يا أمير المؤمنين صنع لهذه الأمة بولايتك عليها؛ فلا نكن أشقى الناس بولايتك، علام تحبس هذا الشيخ؟ أنا أتحمل ما عليه، فصالحني على ما إياه تسأل" فقال عمر: لا؛ إلا أن تحمل جميع ما نسأله إياه، فقال: يا أمير المؤمنين، إن كانت لك بينة فخذ بها، وإن لم تكن بينة فصدق مقالة يزيد، وإلا فاستحلفه، فإن لم يفعل فصالحه، فقال له عمر: ما أجد إلا أخذه بجميع المال".
"تاريخ الطبري ٨: ١٣٢"
= أخذك به، وإن ولي من يتحامل عليك لم يرض منك بأضعافه؛ فلا تمض كتابك، ولكن اكتب بالفتح، وسله القدوم، فتشافهه بما أحببت مشافهة وتقصر، فإنك إن تقصر عما أحببت أحرى من أن تكثر، فأبى يزيد وأمضى الكتاب؛ فلما ولي عمر بن عبد العزيز "سنة ٩٩" -وكان عمر يبغض يزيد وأهل بيته، ويقول: هؤلاء جبابرة ولا أحب مثلهم- دعا يزيد وسأله عن تلك الأموال التي كتب بها إلى سليمان بن عبد الملك؛ فقال: كنت من سليمان بالمكان الذي قد رأيت، وإنما كتبت إلى سليمان لأسمع الناس به "والتسميع: إزالة الخمول بنشر الذكر"، وقد علمت أن سليمان لم يكن ليأخذني بشيء سمعت به، ولا بأمر أكرهه، فقال له: ما أجد في أمرك إلا حبسك، فاتق الله، وأد ما قبلك؛ فإنها حقوق المسلمين، ولا يسعني تركها، ولم يزل يزيد في محبسه، حتى بلغه مرضُ عمر، فأخذ يعمل للهرب مخافة يزيد بن عبد الملك؛ لأنه كان قد عذب أصهاره آل أبي عقيل "إذ كانت أم الحجاج بنت محمد بن يوسف أخي الحجاج بن يوسف عند يزيد بن عبد الملك، فولدت له ابنه الوليد" وكان يزيد بن عبد الملك قد عاهد الله لئن أمكنه الله من يزيد بن المهلب، ليقطعن منه طابقًا "بفتح الباء وكسرها أي عضوا" فخشى ذلك فهرب من السجن سنة ١٠١، ومات عمرُ وأفضت الخلافة إلى يزيد بن عبد الملك ولحق ابن المهلب بالبصرة، فغلب عليها، وأخذ عامل يزيد بن عبد الملك عليها "وهو عدي بن أرطأة الفزاري" فحبسه وخلع يزيد، فسير إليه الخليفة العباس بن الوليد بن عبد الملك، ومسلمة بن عبد الملك لحربه فقتل ابن المهلب في أسناء المعركة سنة ١٠٢هـ.