للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد كنت بعد محمد خلفًا كما ... أوصى إليك بنا، فكنت وفيّا

واليوم لا خلفٌ يؤمل بعده ... هيهات نأمل بعده إنسيّا

قالت: يا أمير المؤمنين لسان نطق، وقول صدق، ولئن تحقق فيك ما ظنناه، لحظك الأوفر، والله ما أورثك الشنآنُ١ في قلوب المسلمين إلا هؤلاء؛ فأدحض مقالتهم، وأبعد منزلتهم، فإنك إن فعلت ذلك تزدد من الله قربًا، ومن المؤمنين حبًّا، قال: وإنك لتقولين ذلك؟ قالت: يا سبحان الله، والله ما مثلك من مدح بباطل، ولا اعتذر إليه بكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا، وضمير قلوبنا، كان والله عليٌّ أحبَّ إلينا منك، وأنت أحب إلينا من غيرك قال: ممن؟ قالت: من مروان بن الحكم وسعيد بن العاص. قال: وبم استحققتُ ذلك عندك؟ قالت بسعة حلمك، وكريم عفوك، قال: وإنهما يطمعان في ذلك؟ قالت: هما والله لك من الرأي على مثل ما كنت عليه لعثمان بن عفان رحمه الله تعالى٢. قال: والله لقد قاربت، فما حاجتك؟ قالت: يا أمير المؤمنين إن مروان تَبَنَّكَ٣ بالمدينة تبنك من لا يريد منها البراح، لا يحكم بعدلٍ. ولا يقضي بسنةٍ، يتتبع عثراتِ المسلمين، ويكشف عوراتِ المؤمنين، حبس ابن ابني؛ فأتيتُه، فقال: كيت وكيت، فألقمته أخشن من الحجر، وألعقته أمر من الصبر، ثم رجعت إلى نفسي باللائمة، وقلت: لم لا أصرف ذلك إلى من هو أولى بالعفو منه، أتيتك يا أمير المؤمنين لتكون في أمري ناظرًا، وعليه معديًا٤، قال: صدقت، لا أسألك عن ذنبه ولا عن القيام بحجته، اكتبوا لها بإطلاقه. قالت: يا أمير المؤمنين، وأنَّى لي بالرجعة، وقد نفد زادي، وكلت راحلتي، فأمر لها براحلة موطأة، وخمسة آلاف درهم.

"العقد الفريد ١: ١٣١، وصبح الأعشى ١: ٢٥٧، وبلاغات النساء ص٦٧"


١ البغض.
٢ تريد أنهما يأملان الخلافة بعدك كما كنت تأملها بعد عثمان.
٣ تبنك به: أقام.
٤ أعداه عليه: نصره، وأعانه، وقواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>