للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النجاة، فاربع على نفسك أو دع، وكان عبد الملك متكئًا، فاستوى جالسًا، وقال: كذبت ومنت١ فيما جئت به! ولقد ظن بك الحجاج ظنًّا لم نجده فيك، وقد يظن الخير بغير أهله، قم فأنت المائن الحاسد! قال: فقمت والله ما أبصر شيئًا، فلما خطرف الستر لحقني لا حق، فقال للحاجب: امنع هذا من الخروج، وأذن للحجاج، فدخل فلبث مليًّا، ولا أشكُّ أنهما في أمري، ثم خرج الإذن لي، فدخلت، فلا كشف لي الستر، إذ أنا بالحجاج خارج، فاعتنقني، وقبل ما بين عيني، وقال: أما إذا جزى الله المتواخِيَيْن خيرًا فضل تواصلهما، فجزاك الله عني أفضل الجزاء فوالله لئن سلمت لك لأرفعن ناظريك، ولأعلين كعبك، ولأتبعن الرجال غبار قدميك، قال: فقلت في نفسي إنه ليسخر بي، فلما وصلت إلى عبد الملك أدناني حتى أدناني مجلسي الأول، ثم قال: يابن طلحة: هل أعلمت الحجاج بما جرى أو شاركك أحد في نصيحتك؟ فقلت: لا والله، ولا أعلم أحدًا أظهر يدًا عندي من الحجاج، ولو كنت محابيًا أحدًا بديني لكان هو، ولكنِّي آثرتُ الله ورسوله والمسلمين، قال: قد علمت أنك لم ترد الدنيا، ولو أردتها لكانت لك في الحجاج، ولكن أردتَ الله والدار الآخرة، وقد عزلته عن الحرمين لما كرهت من ولايته عليهما، وأعلمته أنك استنزلتني له عنهما استقلالا لهما، ووليته العراقين وما هنالك من الأمور، التي لا يدحضها إلا مثله، وإنما قلت له ذلك ليؤدي ما يلزمه من ذمامك، فإنك غير ذام لصحبته مع يدك عنده، فخرجت مع الحجاج وأكرمني أضعاف إكرامه.

"العقد الفريد ١: ١٢١، وسرح العيون ص١١٩"


١ مان مينا: كذب.

<<  <  ج: ص:  >  >>