للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بين يديه، فنظرت فإذا امرأة قد أسنت، حسنة الخلق، ومعها جاريتان لها، وإذا هي ليلى الأخيلية؛ فسألها الحجاج عن نسبها، فانتسبت له، فقال لها: يا ليلى، ما أتى بك؟ فقالت: "إخلاف النجوم١، وقالة الغيوم، وكلب البرد٢، وشدة الجهد، وكنت لنا بعد الله الرفد٣" فقال لها: صفي لنا الفجاج٤، فقالت: "الفجاج مغبرَّة والأرض مقشعرَّة، والمبرك٥ معتلّ، وذو العيال مختلّ٦، والهالك للقلّ٧، والناس مسنتون٨، رحمة الله يرجون، أصابتنا سنون مجحفة مبلطة٩، لم تدع لنا هبعًا ولا ربعًا١٠، ولا عافطة ولا نافطة١١، أذهبتِ الأموال، ومزقتِ الرجال، وأهلكتِ العيال"، ثم قالت: إني قلتُ في الأمير قولًا، قال: هاتي، فأنشأت تقول:

أحجاجُ لا يفلل سلاحك، إنها الـ ... منايا بكف الله حيث تراها١٢

أحجاجُ لا تعطِ العصاة مناهم ... ولا الله يعطي للعصاة مناها

إذا هبط الحجاج أرضًا مريضة ... تنبع أقصى دائها فشفاها

شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها

سقاها فرواها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث مال حشاها١٣


١ أي أخلفت النجوم التي يكون بها المطر؛ فلم تأت بمطر.
٢ كلب البرد: شدته، وأصل الكلب: السعار "بالضم" الذي يصيب الكلاب والذئاب.
٣ الرفد "بالفتح": المعونة، مصدر رفده كضربه: أعانه وأعطاه، وبالكسر: العطاء والصلة.
٤ الفجاج: بالفتح، وهو الطريق الواسع بين جبلين.
٥ أرادت به الإبل الباركة فيه.
٦ مختل: محتاج من الخلة بالفتح وهي الحاجة.
٧ القل: أي هالك من أجل القلة.
٨ أي مقحطون، والسنة: القحط.
٩ مجحفة: قاشرة، ومبلطة: ملزقة بالبلاط، والبلاط: الأرض الملساء، والحجارة التي تفرش في الدار، وأبلط الرجل فهو مبلط: إذا لزق بالأرض.
١٠ الهيع: الفصيل ينتج في الصيف "في آخر النتاج" والربع: الفصيل ينتج في الربيع "وهو أول النتاج".
١١العافطة: الضائنة "النعجة"، من العفط، وهو الضرط، عفطت كضرب، ضرطت، فهي عافطة، والعفط أيضًا: نثير الضأن، تنثر بأنوفها كما ينثر الحمار، والنافطة العنز، من النفط، نفطت العنز كضرب نثرت بأنفها، أو عطست، فهي نافطة، أو لأنها تنفط ببولها أي تدفعه دفعًا، أو النافطة إتباع العافطة، أو العافطة الأمة الراعية، والنافطة الشاة.
١٢ السلاح مذكر ويؤنث كما في هذا البيت.
١٣ السجال: جمع سجل كشمس، وهو الدلو العظيمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>