للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح١

وأغبط من ليلى بما لا أناله ... بلى كل ما قرت به العين طائح

ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني جندل وصفائح٢

لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح٣

فقال: زيدينا من شعره يا ليلى، قالت: هو الذي يقول:

حمامة بطن الوادييْن ترنمي ... سقاك من الغر الغوادي مطيرها٤

أبيني لنا لا زال ريشك ناعما ... ولا زلت في خضراء غض نضيرها

وكنت إذا ما زرت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها

وقد رابني منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتي وبسورها٥

وأشرِفُ بالقور اليفاع لعلني ... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها٦

يقول رجال: لا يضيرك نأيها ... بلى، كل ما شف النفوس يضيرها

بلى، قد يضير العين أن تكثر البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها

وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها

فقال الحجاج: يا ليلى، ما الذي رابه من سفورك؟ فقالت: أيها الأمير، كان يلم بي كثيرًا، فأرسل إلي يومًا: إني آتيك، وفطن الحيّ، فأرصدوا له، فلما أتاني سفرت عن وجهي، فعلم أن ذلك لشر، فلم يزد على التسليم والرجوع، فقال: لله درك!


١ سافح: منصب
٢ الجندل: الحجارة، والصفائح: حجارة القبر العراض.
٣ زقا: صاح، والصدى -وهو الهامة- طائر يخرج من رأس المقتول، تزعم الأعراب أن روح القتيل تخرج؛ فتصير هامة إذا لم يدرك بثأره؛ فتصيح على قبره: اسقوني اسقوني حتى يُثأر به، وهذا مثل يراد به تحريض ولي القتيل على طلب دمه، فجعله جهلة الأعراب حقيقة.
٤ الغوادي: جمع غادية، وهي السحابة تنشأ غدوة.
٥ بسر كدخل: عبس وكلح.
٦ القور: جمع قارة، وهي الجبيل الصغير، المنقطع عن الجبال، واليفاع: التل.

<<  <  ج: ص:  >  >>