للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالحسنى، وزينك بالتقوى، وجمع لك خير الآخرة والأولى، إن لي حوائج أفأذكرها؟ قال: هاتها، قال: كبرت سني، وضعفت قواي، واشتدت حاجتي، فإن رأى أمير المؤمنين أن يجبر كسري، وينفي فقري"، قال: يا ابن أبي الجهم، وما الذي يجبر كسرك، وينفي فقرك؟ قال: ألف دينار، وألف دينار، وألف دينار، فأطرق هشام طويلا، ثم قال: هيهات يا بن أبي الجهم، بيت المال لا يحتمل ما سألت! فقال: أما إن الأمر لواحد؛ ولكن الله آثرك لمجلسك، فإن تعطنا فحقنا أديت، وإن تمنعنا نسأل الذي بيده ما حويت، إن الله جعل العطاء محبة، والمنع مبغضة، ولأن أحبك أحب إلي من أن أبغضك، قال: فألف دينار لماذا؟ قال: أقضي بها دينًا قد حم١ قضاؤه، وفدحني٢ حمله، وأرهقني٣ أهله، قال: نعم المسلك أسلكتها، دينًا قضيت، وأمانة أديت، وألف دينار لماذا؟ قال: أزوج بها من أدرك من ولدي، فأشد بهم عضدي ويكثر بهم عددي قال: ولا بأس أغضضت طرفًا، وحصنت فرجا، وأمرت٤ نسلًا، وألف دينار لماذا؟ قال: أشتري بها أرضًا يعيش بها ولدي، وأستعين بفضلها على نوائب دهري، وتكون ذخرًا لمن بعدي، قال: ولا بأس، أردت ذخرًا، ورجوت أجرًا، ووصلت رحما، قد أمرنا لك بما سألت، قال: فالمحمود الله على ذلك، وجزاك الله يا أمير المؤمنين والرحم خيرا، وخرج، فقال هشام: تالله ما رأيت رجلا ألطف في سؤال، ولا أرفق في مقال من هذا، هكذا فليكن القرشي، وإنا لنعرف الحق إذا نزل، ونكره الإسراف والبخل، وما نعطي تبذيرًا، ولا نمنع تقتيرًا، وما نحن إلا خزان الله في بلاده، وأمناؤه على عباده، فإن أذن أعطينا، وإذا منع أبينا؛ ولو كان كل قائل يصدق، وكل سائل يستحق، ما جبهنا٥ قائلًا، ولا رددنا سائلًا، فنسأل الذي بيده ما استحفظنا أن يجريه على أيدينا، فإنه يبسط الرزق لمن يشاء


١ حم الأمر: قضي وقدر.
٢ أثقلني.
٣ الإرهاق: أن تحمل الإنسان على ما لا يطيقه.
٤ كثرت.
٥ جبهه كمنعه: لقيه بما يكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>