للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحمد لله، قال هشام: نعم. الحمد لله، ما هذا؟ قال الكميت: مبتدئ الحمد ومبتدعه، الذي خص بالحمد نفسه، وأمر به ملائكته، جعله فاتحة كتابه، ومنتهى شكره، وكلام أهل جنته، أحمده حمد من علم يقينًا، وأبصر مستبينًا، وأشهد له بما شهد به لنفسه "قائمًا بالقسط١" وحده لاشريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه العربي، ورسولُه الأميّ، أرسله والناس في هفوات حيرة، ومدلهمات ظلمة، عند استمرار أبهة٢ الضلال؛ فبلغ عن الله ما أمر به، ونصح لأمته، وجاهد في سبيله، وعَبَدَ ربَّه، حتى أتاه اليقين، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ثم إني يا أمير المؤمنين، تهت في حيرة، وحرت في سكرة، ادلأم٣ بي خطرها، وأهاب٤ بي داعيها، وأجابني غاويها، فاقطوطيت٥ إلى الضلالة، وتسكعت٦ في الظلمة والجهالة، جائرًا عن الحق، قائلًا بغير صدق؛ فهذا مقام العائذ٧، ومنطق التائب، ومبصر الهدى بعد طول العمى، يا أمير المؤمنين كم من عاثر أقلتم عثرته، ومجترم٨ عفوتم عن جرمه".

فقال له هشام -وأيقن أنه الكميت- ويحك! من سن لك الغواية، وأهاب بك في العماية٩؟ قال: الذي أخرج أبي آدم من الجنة: فنسي ولم يجد له عزمًا، وأمير المؤمنين كريح رحمة أثارت سحابًا متفرقًا، فلفقت١٠ بعضه إلى بعض، حتى التحم فاستحكم هدرُ١١ رعده، وتلألؤ برقه، فنزل الأرض فرويت، واخضلت١٢


١ العدل.
٢ الأبهة: العظمة والبهجة والكبر.
٣ ادلأم الليل: ادلهم أي اسود وأظلم، وفي الأصل "اذلأم" وهو تصحيف.
٤ أي دعاني؛ وفي الأصل "وأهب" وهو تحريف، "ويقال أيضا هببت به أي دعوته لينزو".
٥ اقطوطى: قارب في مشيه إسراعًا.
٦ تسكع: مشى مشيًا متعسفًا لا يدري أين يأخذ من بلاد الله، وتحير.
٧ اللاجئ: المستجير.
٨ جرم فلان وأجرم واجترم: أذنب.
٩ العماية: الغواية.
١٠ من لفق الثوب كضرب: ضم شقة إلى أخرى فخاطها.
١١ من هدر البعير كضرب هدرًا وهديرًا: صوت؛ وفي الأصل "هدار" وهو تحريف.
١٢ ابتلت.

<<  <  ج: ص:  >  >>