للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أرجلهن، واضعات أيديهن على أعينهن -وهي دواب تشبه اليرابيع١- فقعدت إلى الأرض واضعة يديها على عينيها، وقالت لوصيفها: إذا ذهبت هذه المناجيد فأخبرني؛ فلما ذهبت أعلمها، فانطلقت مسرعة؛ فلما عارضها خليج الحديقة التي فيها عمرو، وثبت من الماء سلحفاة. فوقعت في الطريق على ظهرها، وجعلت تروم الانقلاب فلا تستطيع، وتستعين بذنبها، فتحثو التراب على بطنها من جنباته، وتقذف بالبول قذفًا، فلما رأتها طريفة جلست إلى الأرض، فلما عادت السلحفاة إلى الماء، مضت إلى أن دخلت على عمرو وذلك حين انتصف النهار في ساعة شديدة الحر، فإذا الشجر يتكفأ من غير ريح، فلما رآها عمرو استحيا منها، وأمر الجاريتين بالتنحي، ثم قال لها يا طريفة: فكهنت وقالت: "والنور والظلماء، والأرض والسماء، إن الشجر لهالك، وليعودن الماء كما كان في الزمان السالك". قال عمرو: ومن خبرك بهذا؟ قالت: "أخبرتني المناجد، بسنين شدائد، يقطع فيها الولد الوالد" قال: ما تقولين.؟ قالت: "أقول قول الندمان لهفًا، لقد رأيت سلحفًا٢، تجرف التراب جرفًا، وتقذف بالبول قذفًا، فدخلت الحديقة، فإذا الشجر من غير ريح يتكفَّا" قال عمرو: وماترين؟ قالت: "داهية دهياء، من أمور جسيمة، ومصائب عظيمة" قال: وما هو؟ ويلك! قالت: "أجل، إن فيه الويل، وما لك فيه من قيل٣، وإن الويل فيما يجيء به السيل" فألقى عمرو نفسه عن فراشه، وقال: ما هذا يا طريفة؟ قالت: "هو خطب جليل، وحزن طويل، وخلف قليل" قال: وما علامة ما تذكرين؟ قالت "اذهب إلى السد؛ فإذا رأيت جردًا يكثر بيديه في السد الحفر، ويقلب برجليه من أجل الصخر، فاعلم أن غمر الغمر٤


١ اليربوع: دويبة نحو الفأرة لكن ذنبه وأذناه أطول منها، ورجلاه أطول من يديه عكس الزرافة.
٢ يقال: سلحفاة وسلحفاء وسلحفا، ويقال أيضًا سحلفا ساكنة اللام مفتوحة الحاء.
٣ قال قيلًا: نام في القائلة، وهي نصف النهار، والمراد هنا الإقامة والمكث.
٤ الغمر: الماء الكثير.

<<  <  ج: ص:  >  >>