للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أتعلمين تلك المعضلة؟ قالت: "أجل أيها الملك، إنها رؤيا منام، ليست بأضغاث١ أحلام". قالت الملك: أصبت يا عفيراء، فما تلك الرؤيا؟ قالت: "رأيت أعاصير٢ زابع بعضها لبعض تابع، فيها لهب لامع، ولها دخان ساطع، يقفوها نهر متدافع، وسمعت فيما أنت سامع، دعاء ذي جرس٣ صادع: هلموا إلى الشارع٤، فروي جارع٥، وغرق كارع٦" فقال الملك: أجل، هذه رؤياي؛ فما تأويلها يا عفيراء؟ قالت: "الأعاصير الزوابع، ملوك تبابع٧، والنهر علم واسع، والداعي نبي شافع، والجارع ولي تابع، والكارع عدو منازع". فقال الملك: يا عفيراء، أسلم هذا النبي أم حرب؟ فقالت: "أقسم برافع السماء ومنزل الماء من القماء٨، إنه لمطل الدماء٩، ومنطق العقائل نطق الإماء١٠". فقال الملك: إلام يدعو يا عفيراء؟ قالت: "إلى صلاة وصيام، وصلة أرحام، وكسر أصنام: وتعطيل أزلام١١، واجتناب آثام" فقال الملك:


١ أضغاث أحلام: رؤيا لا يصح تأويلها لاختلاطها.
٢ الأعاصير جمع إعصار وهو الربح التي تهب من الأرض كالعمود نحو السماء، أو التي فيها العصار بالكسر وهو الغبار الشديد.
٣ الجرس: الصوت.
٤ المشارع جمع مشرعة وهي مورد الشاربة.
٥ جارع: فاعل من جرع الماء كسمع ومنع إذا بلعه.
٦ كارع فاعل من كرع في الماء كسمع ومنع تناوله بغية من موضعه من غير أن يشرب بكفيه ولا بإناء.
٧ التبايع جمع تبع كسكر: ملوك اليمن.
٨ العماء: السحاب الكثيف.
٩ انظر قوله عليه الصلاة والسلام في خطبته في حجة الوداع "وإن دماء الجاهلية موضوعة".
١٠ العقائل: كرائم النساء جمع عقيلة، والنطق جمع نطاق ككتاب النطاق والمنطقة: ما تشد به المرأة وسطها للمهنة، ونطقها تنطيقًا: ألبسها النطاق فتنطقت وانتطقت ومنطق النساء أي يسبيهن فيشددن النطق على أوساطهن للخدمة كالإماء.
١١ الأزلام جمع زلم كسبب قداح كان العرب يستقسمون بها في الجاهلية "أي يطلبون معرفة ما قسم لهم" وذلك أنهم كانوا إذا قصدوا فعلًا من تجارة أو سفر أجالوا ثلاثة قداح "للقداح جمع قداح بالكسر وهو السهم قبل أن يراش" وكانت عند أصنامهم، أحدها مكتوب عليه: أمرني ربي، والثاني: نهاني ربي، والثالث: غفل؛ فإن خرج الأول مضوا في الأمر، أو الثاني أحجموا عنه، أو الثالث أجالوها ثانية حتى يخرج أحد الأولين.

<<  <  ج: ص:  >  >>