وإن يوسف قدر فغفر، فاقتد بأيهم شئت، وقد جعلك الله من نسل الذين يعفون ويصفحون"، فقال أبو جعفر: إن أحدًا لا يعلمنا الحلم، ولا يعرفنا العلم، وإنما قلت هممت، ولم ترني فعلت، وإنك لتعلم أن قدرتي عليهم تمنعني من الإساءة إليهم".
"زهر الآداب ١: ٩٦".
وروى صاحب العقد قال:
لما حج المنصور مر بالمدينة، فقال للربيع الحاجب: عليَّ بجعفر بن محمد، قتلني الله إن لم أقتله، فمطل به، ثم ألح عليه، فحضر فلما كشف الستر بينه وبينه، ومثل بين يديه، همس جعفر بشفتيه، ثم تقرب وسلم، فقال:"لا سلم الله عليك يا عدو الله، تعمل على الغوائل في ملكي؟ قتلني الله إن لم أقتلك". قال:"يا أمير المؤمنين، إن سليمان صلى الله على محمد وعليه أعطي فشكر، وإن أيوب ابتلي فصبر، وإن يوسف ظلم فغفر، وأنت على إرث منهم، وأحق من تأسى بهم"، فنكس أبو جعفر رأسه مليًّا وجعفر واقف، ثم رفع رأسه، وقال:"إلي أبا عبد الله فأنت القريب القرابة، وذو الرحم الواشجة١، السليم الناحية، القليل الغائلة"، ثم صافحه بيمينه، وعانقه بشماله، وأجلسه معه على فراشه، وانحرف له عن بعضه، وأقبل عليه بوجهه يحادثه ويسائله، ثم قال: يا ربيع، عجل لأبي عبد الله كسوته وجائزته وإذنه. "العقد الفريد ١: ١٤٥".