للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مؤتمن بما قال. وظنين بما ادَّعى. حتى يأتي ببينة عادلة. وحجة ظاهرة. فاخرج عما قلت" قال هارون: "أيها المهدي. إن الحرب خُدعة١. والأعاجم قوم مَكَرة. وربما اعتدلت الحال بهم. واتفقت الأهواء منهم. فكان باطن ما يُسِرُّون على ظاهر ما يعلنون. وربما افترقت الحالان. وخالف القلب اللسان. فانطوى القلب على محجوبة تُبْطَن. واستسرَّ بمدخولة لا تعلَن. والطبيب الرفيق بطبّه. البصير بأمره. العالم بمُقدَّم يده. وموضع مِيسمه٢ لا يتعجل بالدواء. حتى يقع على معرفة الداء. فالرأى للمهدي -وفقه الله- أن يفرّ٣ باطن أمرهم فَرَّ المُسِنَّة. ويمخَض ظاهر حالهم مخض السقاء. بمتابعة الكتب. ومظاهرة الرسل. وموالاة العيون. حتى تُهتك حُجُب عيونهم. وتكشف أغطية أمورهم. فإن انفرجت الحال وأفضت الأمور به إلى تغيير حال. أو داعية ضلال اشتملت الأهواء عليه. وانقاد الرجال إليه. وامتدت الأعناق نحوه بدين يعتقدونه. وإثم يستحلونه. عصبهم بشدة لا لين فيها. ورماهم بعقوبة لا عفو معها. وإن انفرجت العيون. واهتُصِرت الستور. ورفعت الحُجُب. والحال فيهم مَرِيعة٤. والأمور بهم معتدلة. في أرزاق يطلبونها. وأعمال ينكرونها. وظلامات يدّعونها. وحقوق يسألونها. بماتَّةِ سابقتهم. ودالة مناصحتهم. فالرأي للمهدي -وفقه الله- أن يتسع لهم بما طلبوا. ويتجافى لهم عما كرهوا. ويَشْعَب٥ من أمرهم ما صَدَعوا. ويرتُق من فَتْقِهم ما قطعوا. ويولِّي عليهم من أحبوا. ويداوي بذلك مرض قلوبهم وفساد أمورهم. فإنما المهدي وأمته. وسواد أهل مملكته. بمنزلة الطبيب الرفيق. والوالد الشفيق. والراعي المجرِّب الذي يحتال لِمَرَابِض غنمه. وضَوَالّ رعيته. حتى يُبْرِئ المريضة من داء علتها. ويردَّ الصحيحة إلى أنس جماعتها. ثم إن خراسان بخاصَّة


١ خدعة بسكون الدال وتثليث الخاء وبضم الخاء وفتح الدال، أي تنقضي بخدعة.
٢ الميسم: المكواة.
٣ فر الدابة: كشف عن أسنانها ليعرف سنها.
٤ مرع الوادي ككرم مراعة: أخصب بكثرة الكلأ فهو مريع.
٥ تصلح.

<<  <  ج: ص:  >  >>