للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِظْني، قال: يا أمير المؤمنين: اتَّق الله وحده لا شريك له، واعلم أنك واقف غدًا بين يدي الله رَبَّك، ثم مصروفٌ إلى إحدى منزلتين، لا ثالثةَ لهما: جنة أو نار، فبكى هارون حتى اخْضَلَّتْ١ لحيته، فأقبل الفضل على ابن السَّماك، فقال: سبحان الله! وهل يتخالجُ أحدًا شكٌ في أن أمير المؤمنين مصروف إلى الجنة إن شاء الله؟ لقيامه بحق الله، وعدله في عباده، وفضله، فلم يَحْفَل بذلك ابن السَّماك من قوله، ولم يلتفت إليه وأقبل على أمير المؤمنين، فقال: يا أمير المؤمنين إن هذا -يعني الفضل بن الربيع- ليس والله معك ولا عندك في ذلك اليوم، فاتق الله وانظر لنفسك، فبكى هارون حتى أشفقنا عليه، وأفحم الفضل بن الربيع، فلم ينطق بحرف حتى خرجنا.

قال: دخل ابن السَّماك على الرشيد يومًا، فبينا هو عنده إذ استسقى ماء، فأُتِي بِقُلَّة من ماء، فلما أهوى بها إلى فِيِهِ ليشربها، قال له ابن السَّماك: على رِسْلك٢ يا أمير المؤمنين: بقرابتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو مُنِعَت هذه الشَّرْبة، بكم كنت تشتريها؟ قال: بنصف ملكي، قال: اشرب هنَّأَك الله، فلما شربها، قال له: أسألك بقرابتك من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو مُنْعِتَ خروجها من بدنك، بماذا كنت تشتريها، قال: بجميع ملكي، قال ابن السَّماك: إن ملكًا قيمته شربة ماء لجدير إلا يُنَافس فيه، فبكى هارون، وأشار الفضل بن الربيع إلى ابن السَّماك بالانصراف فانصرف".

"تاريخ الطبري ١٠: ١١٩، وشرح ابن أبي الحديد م١: ص١٤٩".


١ ابتلت.
٢ الرسل: التؤدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>