للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه ليس يتمنى المتقدمون قبلكم إلا هذا المَهَل المبسوط لكم، واحذروا ما حذَّركم الله، واتقوا اليوم الذي يجمعكم الله فيه لوضع موازينكم، ونشر صُحُفِكم الحافظة لأعمالكم، فلينظر عبد ما يضع في ميزانه مما يثقُل به، وما يُمِلُّ١ في صحيفته الحافظة لما عليه وله، فقد حكى الله لكم ما قال المفرِّطون عندها؛ إذ طال إعراضهم عنها، قال: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً إلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ولا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} ، وقال: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} ٢ ولست أنهاكم عن الدنيا بأعظم مما نهتكم الدنيا عن نفسها، فإن كل ما بها ينهى عنها، وكل ما فيها يدعو إلى غيرها، وأعظم مما رأته أعينكم من عجائبها ذم كتاب الله لها، ونهي الله عنها، فإنه يقول: {فلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ولا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} ، وقال: {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ ولا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} ، فانتفعوا بمعرفتكم بها، وبإخبار الله عنها، واعلموا أن قوما من عباد الله أدركتهم عصمة الله فحذِروا مَصَارِعها، وجَانَبوا خَدَائِعَها، وآثَروا طاعة الله فيها، فأدركوا الجنة بما تركوا منها".

"عيون الأخبار م٢: ص٢٥٥، والعقد الفريد ٢: ١٤٨".


١ يملي.
٢ القسط: العدل: مصدر وصف به للمبالغة أو ذوات القسط.

<<  <  ج: ص:  >  >>