للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسيما١، ورأى أن يستنطقه لينظر أين جَنَاحه ولسانه من منظره، فقال: يا تميم إن كان لك عذر فأْتِ به، أو حجة فأَدْلِ بها، فقال: أما إذ قد أذن لي أمير المؤمنين فإني أقول:

"الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ خلق الإنسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين" جَبَر بك سبل الحق، وأخمد بك شهاب الباطل، يا أمير المؤمنين إن الذنوب تُخْرِس الألسنة الفصيحة، وتُعْيِي الأفئدة الصحيحة، ولقد عظمت الجزيرة، وانقطعت الحجة، وكبر الذنب، وساء الظن، ولم يبقَ إلا عفوك أو انتقامك، وأرجو أن يكون أقربهما مني، وأسرعهما إليَّ، أَوْلَاهما بامتنانك، وأشبههما بخلافتك، ثم أنشأ يقول:

أرى الموت بين السيوف والنِّطع كامنا ... يلاحظني من حيثما أتلفَّت

وأكبر ظني أنك اليوم قاتلي ... وأي امرئ مما قضى الله يُفْلِت؟

ومن ذا الذي يدلي بعذر وحجة ... وسيف المنايا بين عينيه مُصْلَتُ؟ ٢

يعز على الأوس بن تغلب موقف ... يُسَلّ على السيف فيه وأسكت

وما جَزَعي من أن أموت وإنني ... لأعلم أن الموت شيء موَقَّت

ولكنَّ خلفي صبية قد تركتهم ... وأكبادهم من حسرة تتفتَّت

كأني أراهم حين أُنْعَى إليهم ... وقد خمَشُوا تلك الوجوه وصوَّتوا٣

فإن عشت عاشوا خافضين بغبطة ... أذُودُ الرَّدَى عنهم وإن مت مَوَّتوا٤

فكم قائل لا يبعد الله روحه ... وآخر جذلان يُسَرُّ ويَشْمَتُ


١ جميلا.
٢ مسلول.
٣ خمش وجهه كنصر وضرب: خدشه ولطمه وضربه.
٤ كثر فيهم الموت.

<<  <  ج: ص:  >  >>