للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلْيَهْنِكَ أن صَبَّر الله تعالى ملككَ من بعدك، إلى نيِّر سعدك، وبارق رَعْدك، ومنجز وعدك، أرضى ولدك، وريحانة خَلَدك١، وشِقَّة٢ نفسك، والسَّرحة المباركة من غَرْسك، ونور شمسك، وموصِّل عملك البَرّ إلى رَمْسِك، فقد ظهر عليه أثر دعواتك في خَلَواتك، وأعقاب صلواتك، فَكَلِمَتُك -والمنَّة لله تعالى- باقية، وحسنتك إلى محل القبول راقية، يَرْعَى بك الوسيلة، ويتمِّم مقاصِدَك الجميلة، أعانه الله تعالى ببركة رضاك على ما قَلَّده، وعَمَر بتقواه يومه وغده، وأبعد في السعد أَمَدَه، وأطْلَقَ بالخير يده، وجعل الملائكة أنصاره والأقدار عُدَدَه.

وإنني أيها المولى الكريم، البر الرحيم، لما اشتراني، ورَاشَني٣ وبَرَاني، وتعبَّدني بإحسانه، واستعمل في استخلاصي خَط بَنَانه، ووصيَّة لسانه، لم أجد مكافأة إلا التقرب إليك وإليه برِثائك، وإغرائك لساني بتخليد عَلْيَائك، وتعفير الوَجْنة في حَرَمك، والإشادة بعد الممات بمجدك وكرمك، ففتحت الباب في هذا الغرض، إلى القيام بحقك المفتَرض، الذي لولاه لاتصلت الغفلة عن أدائه وتمادت، فما يَبِسَت الألسن ولا كادت، متحيِّزا بالسبق، إلى أداء هذا الحق، بادئًا بزيارة قبرك الذي هو رحلة الغرب، ما نَوَيته من رحلة الشرق، وما أَعْرَضت عنه فأقطعه أثر مواقع الاستحسان وقد جمع بين الشكر والتنويه والإحسان، والله سبحانه يجعله عملًا مقبولًا، ويبلِّغ فيه من القبول مأمولًا، ويتغمَّد من ضاجعته من سلفك الكرام بالمغفرة الصيِّبة، والتحيات الطيِّبة، فَنَعِمَ الملوك الكبار، والخلفاء الأبرار، والأئمة الأخيار، الذين كَرُمَت منهم السِّيَر وحسنت الأخبار، وسَعِدَ بِعَزَماتهم الجِهادية المؤمنون وشقِي الكفار، وصلوات الله تعالى عودًا وبدءًا على الرسول الذي اصطفاه واختاره فهو المصطفى المختار، وعلى آله وأصحابه الذين هم السادة الأبرار، وسلم تسليما".

"نفح الطيب ٤: ١٣٥".


١ الخلد: النفس والقلب.
٢ الشقة: نصف الشيء إذا شق والسرحة: الشجرة العظيمة.
٣ راش السهم: ألزق عليه الريش، وراش الصديق: أطعمه وسقاه وكساه وأصلح حاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>