للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أعرابي: "لقد كنت أُنكر البيضاء، فَصِرْتُ أُنكر السوداء، فيا خير مبدول، ويا شَرَّ بدل! ".

وذكر أعرابي منزلا بَادَ أهله فقال: "منزل والله رحلت عنه ربَّات الخُدُود، وأقامت فيه رَوَاحِل١ُ القُدُر، وقد اكتَسَى بالنَّبات كأنما أُلْبِسَ الحُلَلَ، وكان أهله يَعْفُون٢ فيه آثارَ الرياح، وأصبحت الريح تَعْفُو آثارهم، فالعهد القريب، والملتقَى بعيد".

وذكر أعرابي قوما تغيَّرت أحوالهم فقال: "أَعْيُنٌ والله كُحِلَت بالعَبْرَة بعد الحَبْرَة٣، وأَنْفُسٌ لَبِسَتِ الحزن بعد السرور".

وذكر أعرابي قوما تغيرت حالهم فقال: "كانوا والله في عيش رقيق الحواشي، فطواه الدهر بعد سَعة، حتى لَبِسُوا أيديهم القُرِّ٤، ولم أَرَ صاحبًا أغَرَّ من الدنيا، ولا ظالما أَغْشَمَ٥ من الموت، ومن عَصَفَ عليه الليل والنهار أرْدَياه٦، ومن وُكِّلَ به الموت أفناه".

ووقف أعرابي على دار قد باد أهلها فقال: "دارٌ والله مُعْتَصِرَةٌ للدموع، حَطَّت بها السحاب أثقالَها، وجَرَّت بها الرِّياح أذيالها".


١الرواحل جمع راحلة: وهي في الأصل: الناقة الصالحة لأن ترحل، والمراد هنا الحوامل التي تحمل القدور، أي الأثافي.
٢ عفا المنزل: درس، وعفته الريح، يتعدى ويلزم، وبأيهما عدا، وعفته الريح أيضًا بالتشديد للمبالغة.
٣ الحبرة: السرور.
٤ القر مثلث القاف: البرد.
٥ أظلم.
٦ أهلكاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>