للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال الحجاج. عليّ بالمُلَبِّي. فأُتِي به فقال: من الرجل؟ قال: من أفناء الناس١ قال: ليس عن هذا سألتك. قال: نعم سألتني. قال: مِن أي البُلدان أنت؟ قال: من أهل اليمن. قال له الحجاج. فكيف خلَّفت محمد بن يوسف -يعني أخاه وكان عامِلَه على اليمن- قال: خلفته عظيما جَسِيما خَرَّاجًا ولَّاجا. فقال: ليس عن هذا سألتك، قال: نعم سألتني، قال: كيف خلَّفت سيرته في الناس؟ قال: خلَّفته ظلوما غشوما٢، عاصيا للخالق، مطيعا للمخلوق، فازْوَّر٣ من ذلك الحجاج، وقال.

ما أقدمك لهذا، وقد تعلم مكانته مني! فقال له الأعرابي: أَفَتَرَاهُ بمكانةٍ منك أعزَّ مني بمكانتي من الله تبارك وتعالى، وأنا وافد بيته، وقاضي دَيْنِه، ومصَدِّق نبيه صلى الله عليه وسلم؟ فَوَجَم٤ لها الحجاج، ولم يُحِر له جوابا٥، حتى خرج الرجل بلا إذن.

قال طاوس: فتبعته حتى أتى المُلْتَزِم فتعلق بأستار الكعبة، فقال: بك أعوذ، وإليك ألوذ، فاجعل لي في اللَّهَف إلى جوارك، والرِّضا بضَمَانك، مندوحةً٦، عن منع الباخلين، وغِنًى عما في أيدي المستأثِرِين، اللهم عُدْ بِفَرَجك القريب، ومعروفك القديم، وعادتك الحسنة".

قال طاوس: ثم اختفى في الناس، فألفيته بعرفات قائما على قدميه وهو يقول: "اللهم إن كنت لم تقبل حجِّى ونَصَبي٧ وتَعَبِي، فلا تَحْرِمْنِي أجر المُصَاب على مُصِيبَته، فلا أعلم مصيبة أعظم ممن ورد حَوْضك، وانصرف محروما من وجه رغبتك".


١ يقال: هو من أفناء الناس" إذا لم يعلم من هو، واحده فنو كحمل أو فنا كعصا.
٢ ظلوما.
٣ ازور: انحرف ومال: أي غضب منه.
٤ وجم: سكت على غيظ.
٥ أي لم يرده.
٦ أي متسعا.
٧ في الأصل "ونسبي" وأراه محرفا عن "نصبي" ويؤيده قوله بعد "وتعبي".

<<  <  ج: ص:  >  >>