للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدونا بها، ولكنا نتبرأ من الحول والقوة، ونتوكل على الله عز وجل، ونثق بربنا، فكم من فئة قليلة قد أعزها الله ونصرها وأغناها، وغلبت فئة كثيرة بإذن الله، وكم من فئة كثيرة قد أذلها الله وأهانها، قال تبارك وتعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} .

وأما قولكم: "كيف تستحلون قتالنا وأنتم تؤمنون بنبينا وكتابنا" فأنا أخبركم عن ذلك: نحن نؤمن بنبيكم، ونشهد أنه عبد من عبيد الله، وأنه رسول من رسل الله، وأن مثله عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له: كن فيكون، ولا نقول إنه الله، ولا نقول إنه ثاني اثنين، ولا ثالث ثلاثة، ولا إن لله والدًا ولا إن له صاحبة ولا ولدًا، ولا إن معه آلهة أخرى، لا إله إلا هو، تعالى عما يقولون علوًّا كبيرًا، وأنتم تقولون في عيسى قولًا عظيمًا، فلو أنكم قلتم في عيسى كما نقول، وآمنتم بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم كما تجدونه في كتابكم، وكما نؤمن نحن بنبيكم، وأقررتم بما جاء به من عند الله، ووحدتم الله، ما قاتلناكم، بل كنا نسالمكم ونواليكم ونقاتل معكم عدوكم".

فلما فرغ معاذ من خطابه قالوا له: ما نرى بيننا وبينك إلا متباعدا، وقد بقيت خصلة نحن نعرضها عليكم، فإن قبلتموها منا فهو خير لكم، وإن أبيتم فهو شر لكم، نعطيكم البلقاء وما والى أرضكم من سواد الأردن، وتنحوا عن بقية أرضنا وعن مدائننا، ونكتب عليكم كتابًا نسمي فيه خياركم وصلحاءكم، ونأخذ عهودكم ومواثيقكم على ألا تطلبوا من أرضنا غير ما صالحناكم عليه، وعليكم بأهل فارس فقاتلوهم، ونحن معكم نعينكم عليهم حتى تقتلوهم وتظهروا عليهم.

فقال معاذ: هذا الذي عرضتم علينا وتعطوناه كله في أيدينا ولو أعطيتمونا جميع ما في أيديكم مما لم نظهر عليه، ومنعتمونا خصلة من الخصال الثلاثة التي وصفت لكم ما فعلنا".

<<  <  ج: ص:  >  >>