للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقدمت مالي، وكنت أملي، فإن تحملها فرب حق قد قضيته، وهم قد كفيته، وإن حال دون ذلك حائل لم أذمم يومك، ولم أيأس من غدك. ثم أنشأ يقول:

حملت دماء للبراجم جمة ... فجئتك لما أسلمتني البراجم١

وقالوا "سفاهًا" لم حملت دماءنا ... فقلت لهم يكفي الحمالة حاتم٢

متى آته فيها يقل لي مرحبًا ... وأهلًا وسهلًا أخطأتك الأشائم٣

فيحملها عني، وإن شئت زادني ... زياد من حنت إليه المكارم

يعيش الندى ما عاش حاتم طيئ ... فإن مات قامت للسخاء مآتم

ينادين مات الجود معك فلا نرى ... مجيبًا له ما حام في الجو حائم

وقال رجال أنهب العام ماله ... فقلت لهم إني بذلك عالم٤

ولكنه يعطي من أموال طيئ ... إذا جلف المال الحقوق اللوازم٥

فيعطي التي فيها الغنى وكأنه ... لتصغيره تلك العطية جارم٦

بذلك أوصاه عدي وحشرج ... وسعد وعبد الله تلك القماقم٧

فقال له حاتم: إن كنت لأحب أن يأتيني مثلك من قومك، هذا مرباعي٨ من الغارة على بني تميم؛ فخذوه وافرًا، فإن وفى بالحمالة، وإلا أكملتها لك، وهو مائتا بعير سوى بنيها وفصالها، مع أني لا أحب أن تويس قومك بأموالهم، فضحك أبو جبيل وقال: لكم ما أخذتم منا، ولنا ما أخذنا منكم، وأي بعير دفعته إلي، ليس ذنبه في يد صاحبه، فأنت منه بريء، فدفعها إليه وزاده مائة بعير، فأخذها وانصرف راجعًا إلى قومه؛ فقال حاتم في ذلك:


١ البراجم من تميم.
٢ السفاه: السفه. والحمالة: الدية يحملها قوم عن قوم.
٣ الأشائم: ضد الأيامن.
٤ أنهب المال: جعله نهبا يغار عليه.
٥ أي جرفه وانتقصه.
٦ جرم الرجل "بفتحتين": أذنب كأجرم.
٧ جمع قمقام: وهو السيد.
٨ المراباع: ربع الغنيمة، وكان يختص به قائد الغارة وفارسها.

<<  <  ج: ص:  >  >>