للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باغين على الناس، وقد كانت لنا منكم يا معشر العرب جيران كنا نحسن جوارهم، ونعظم قدرهم، ونفضل عليهم، ونفي لهم بالعهد، وخيرناهم بلادنا، ينزلون منها حين شاءوا، فينزلون آمنين، ويرحلون آمنين، وكنا نرى أن جميع العرب ممن لا يجاورنا سيشكر لنا ذلك الذي أتينا إلى إخوانهم، وما اصطنعنا عندهم، فلم يرعنا منكم إلا وقد فاجأتمونا بالخيل والرجال، تقاتلوننا على حصوننا، وتريدون أن تغلبونا على بلادنا، وقد طلب هذا منا قبلكم من كان أكثر منكم عددًا، وأعظم مكيدة، وأوفى جندًا، ثم رددناهم عنها، فلم يرجعوا عنَّا إلا وهم بين قتيل وأسير، وأراد ذلك منا فارس، فقد بلغكم كيف صنع الله عز وجل بهم، وأراد ذلك منا الترك، فلقيناهم بأشد مما لقينا به فارس، وأرادنا غيركم من أهل المشرق والمغرب من ذوي المنعة والعز والجنود العظيمة، فكلهم أظفرنا الله بهم، وصنع لنا عليهم، ولم تكن أمة من الأمم بأرق عندنا منكم شأنًا، ولا أصغر أخطارًا١ إنما جُلكم رعاء الشاء والإبل، وأهل الصخر والحجر والبؤس والشقاء، فأنتم تطمعون أن نجلى لكم عن بلادنا؟ بئس ما طمعتم فيه منا، وقد ظننا أنه لم يأت بكم إلى بلادنا –ونحن يتقي كل من حولنا من الأمم العظيمة الشأن الكثيرة العدد، مع كثرتنا وشدة شوكتنا- إلا جهد نزل بكم من جدوبة الأرض وقحط المطر، وعثتم في بلادنا وأفسدتم كل الفساد، وقد ركبتم مراكبنا، وليست كمراكبكم، ولبستم ثيابنا وليست كثيابكم، وثياب الروم البيض كأنها صفائح الفضة، وطعمتم من طعامنا وليس كطعامكم، وقد لقيناكم الآن وذلك كله لنا، فهو في أيديكم، فنحن نسلمه لكم، فاخرجوا به، وانصرفوا عن بلادنا، فإن أبت أنفسكم إلا أن تحرصوا وتشرهوا، وأردتم أن نزيدكم من بيوت أموالنا ما يقوى به الضعيف منكم، ويرى الغائب أن قد


١ أقدارا.

<<  <  ج: ص:  >  >>