للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من إقالة العثرة، ورجوع عن الهفوة، ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك؛ فوجدت عندك من فضيلة الرأي، وبصيرة الفهم، وكرم الصفح، ما يطول رغباتها، ويستغرق طلباتها، وقد كان الذي كان من الخطب الجليل، الذي عمت رزيته نزارًا واليمن، ولم تخصص بذلك كندة دوننا، للشرف البارع كان لحجر، التاج والعمة فوق الجبين الكريم، وإخاء الحمد وطيب الشيم، ولو كان يفدى هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا بها على مثله؛ ولكنه مضى به سبيل لا يرجع أخراه على أولاه، ولا يلحق أقصاه أدناه.

فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث: إما أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتًا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتًا؛ فقدناه إليك بنسعة١، تذهب مع شفرات حسامك بباق قصرته٢، فنقول: رجل امتحن بهالك عزيز؛ فلم يستل سخيمته٣ إلا تمكينه من الانتقام. أو فداء بما يروح٤ على بني أسد من نعمها، فهي ألوف تجاوز الحسبة؛ فكان ذلك فداء رجعت به القضب٥ إلى أجفانها، لم يرددها تسليط الإحن٦ على البرآء. وإما أن وادعتنا إلى أن تضع الحوامل؛ فتسدل الأزر، وتعقد الخمر فوق الرايات".

فبكى امرؤ القيس ساعة، ثم رفع رأسه فقال:


١ النسع: سير عريض به الرحال، والقطعة منه نسعة.
٢ القصرة: أصل العنق.
٣ السخيمة: الحقد.
٤ يرجع، وأراح الإبل: ردها إلى المراح بالضم أي المأوى، والنعم الإبل والشاء، أو خاص بالإبل، وهو المراد هنا.
٥ السيوف.
٦ الإحن: جمع إحنة، وهي الحقد.

<<  <  ج: ص:  >  >>