تقاتل من ورائهم، ولا تكلفهم فوق طاقتهم، إذا أدَّوا ما عليهم للمؤمنين طوعاً، أو عن يد وهم صاغرون، وأوصيك بتقوى الله وشدة الحذر منه، ومخافة مقته، أن يطلع منك على ريبة، وأوصيك أن تخشى الله في الناس، وتخشى الناس في الله، وأوصيك بالعدل في الرعية، والتفرغ لحوائجهم وثغورهم، ولا تؤثر غنيهم على فقيرهم، فإن ذلك بإذن الله سلامة لقلبك، وحط لوزرك، وخير في عاقبة أمرك، حتى تفضي من ذلك إلى من يعرف سريرتك، ويحول بينك وبين قلبك، وآمرك أن تشتد في أمر الله، وفي حدوده ومعاصيه، على قريب الناس وبعيدهم، ثم لا تأخذك في أحد رأفة حتى تنتهك منه، مثل ما انتهك من حرمة الله، واجعل الناس عندك سواء، لا تبالي على من وجب الحق، ثم لا تأخذك في الله لومة لائم، وإياك والأثرة والمحاباة فيما ولاك الله، مما أفاء الله على المؤمنين، فتجور وتظلم، وتحرم نفسك من ذلك ما قد وسعه الله عليك، وقد أصبحت بمنزلة من منازل الدنيا والآخرة، وأنت إلى الآخرة جد قريب، فإن اقترفت لدنياك عدلاًَ وعفة عما بسط الله لك، اقترفت به إيماناً ورضواناً، وإن غلبك الهوى، اقترفت به سخط الله، وأوصيك ألا ترخص لنفسك ولا لغيرك في ظلم أهل الذمة، وقد أوصيتك وحضضتك ونصحتك، فابتغ بذلك وجه الله والدار الآخرة، واخترت من دلالتك ما كنت دالا عليه نفسي وولدي، فإن عملت بالذي وعظتك، وانتهيت إلى الذي أمرتك، أخذت به نصيباً وافراً، وحظاً وافياً، وإن لم تقبل ذلك، ولم يهمك، ولم تنزل معاظم الأمور عند الذي يرضى الله به عنك، يكن ذلك بك انتقاصاً، ورأيك فيه مدخولاً؛ لأن الأهواء مشتركة، ورأس كل خطيئة إبليس، وهو داعٍ إلى كل هلكة، وقد أضل القرون السالفة قبلك، فأوردهم النار، ولبئس الثمن أن يكون حظ أمرئ موالاة عدو الله الداعي إلى معاصيه، ثم اركب الحق، وخض إليه الغمرات، وكن واعظا لنفسك، أنشدك الله لما رحمت على جماعة المسلمين، فأجللت كبيرهم، ورحمت صغيرهم، ووقرت عالمهم، ولا تضربهم فيذلوا، ولا تستأثر