للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخرج القعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة رضي الله عنها، فسلم عليها، وقال: أي أمه: ما أشخصك وما أقدمك هذه البلدة؟ قالت: أي بني: إصلاح بين الناس، قال: فابعثي إلى طلحة والزبير، حتى تسمعي كلامي وكلامهما، فبعثت إليهما فجاءا، فقال: إني سألت أم المؤمنين ما أشخصها وأقدمها هذه البلاد؟ فقالت: إصلاح بين الناس، فما تقولان أنتما؟ أمتابعان أم مخالفان؟ قالا: متابعان، قال: فأخبراني، ما وجه هذا الإصلاح؟ فوالله لئن عرفناه لنصلحن، ولئن أنكرناه لا نصلح، قالا: قتلة عثمان رضي الله عنه، فإن هذا إن ترك كان تركًا للقرآن، وإن عمل به كان إحياء للقرآن، فقال: قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة، وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة إلا رجلًا، فغضب لهم ستة آلاف، واعتزلوكم، وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم ذلك الذي أفلت -يعني حرقوص بن زهير- فمنعه ستة آلاف وهم على رجل، فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولون، فإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا١ عليكم، فالذي خذرتم وقربتم٢ به هذا الأمر أعظم مما أراكم تكرهون، وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد، فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم، والذنب الكبير".

فقالت أم المؤمنين: فتقول أنت ماذا؟ قال: أقول هذا الأمر دواؤه التسكين، وإذا سكن اختلجوا٣، فإن أنتم بايعتمونا فعلامة خيرٍ، وتباشير رحمة، ودرك بثأر هذا الرجل، وعافية وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه، كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر، وبعثة الله في هذه الأمة هزاهزها٤، فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير، كما كنتم تكونون، ولا تعرضونا للبلاء، ولا تعرضوا


١ أي غلبوكم وانتصروا عليكم.
٢ قربه "كسمع" قرب منه "ككرم".
٣ اضطربوا وتفككوا.
٤ الهزهزة والهزاهز: تحريك البلايا والحروب الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>