للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابط الجأش، وايم الله ما أظن ذلك اليوم يبقي منهم ولا منا إلا الرذال١" فقال عبد الله بن بديل: أنا والله أظن ذلك، فبلغ كلامهما عليًا عليه السلام، فقال لهما: "ليكن هذا الكلام مخزونا في صدروكما، لا تظهراه، ولا يسمعه منكما سامع، إن الله كتب القتل على قوم والموت على آخرين، وكل آتيه منيته كما كتب الله له، فطوبى للمجاهدين في سبيله، والمقتولين في طاعته" فلما سمع هاشم بن عتبة ما قالاه أتى عليا عليه السلام فقال:

"سر بنا يا أمير المؤمنين، إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم، الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم، وعملوا في عباد الله، بغير رضا الله، فأحلوا حرامه، وحرموا حلاله، واستهوى٢ بهم الشيطان، ووعدهم الأباطيل، ومناهم الأماني، حتى أزاغهم عن الهدى، وقصد بهم قصد الردى، وحبب إليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها، كرغبتنا في الآخرة، وانتجاز موعد ربنا، وأنت يا أمير المؤمنين أقرب الناس من رسول الله صلى الله عليه وآله رحما، وأفضل الناس سابقة وقدما، وهم يا أمير المؤمنين يعلمون منك مثل الذي نعلم، ولكن كتب عليهم الشقاء، ومالت بهم الأهواء، وكانوا ظالمين. فأيدينا مبسوطة لك بالسمع والطاعة، وقلوبنا منشرحة لك ببذل النصيحة، وأنفسنا تنصرك على من خالفك، وتولي الأمر دونك، جذلة، والله ما أحب أن لي ما على الأرض فما أقلت٣، ولا ما تحت السماء فما أظلت، وأني واليت عدوًا لك، وعاديت وليًا لك".

فقال علي عليه السلام: "اللهم ارزقه الشهادة في سبيلك والموافقة لنبيك".


١ الدون: الخسيس، أو الرديء من كل شيء
٢ استهواه: استماله والفعل متعد ومفعوله هنا محذوف: أي استوى الشيطان أتباعهم بهم؛ فالباء للسببية.
٣ أي حملت.

<<  <  ج: ص:  >  >>