للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"يأيها الناس: اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، إن الله قد أوضح لكم الحق، وأبان الدليل، وبين السبيل، ورفع العلم، ولم يدعكم في عمياء مدلهمة، فأين تريدون رحمكم الله؟ أفرارًا عن أمير المؤمنين، أم فرارًا من الزحف، أم رغبة عن الإسلام، أم ارتدادًا عن الحق؟ أما سمعتم الله جل ثناؤه يقول: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ} ثم رفعت رأسها إلى السماء وهي تقول: اللهم قد عيل الصبر، وضعف اليقين، وانتشرت الرغبة، وبيدك يا رب أزمة القلوب، فاجمع الكلمة على التقوى، وألف القلوب على الهدى، واردد الحق إلى أهله، هلموا رحمكم الله إلى الإمام العادل، والرضي التقي، والصديق الأكبر، إنها إحن١ بدرية، وأحقاد جاهلية، وضغائن أحدية٢ وثب بها معاوية حين الغفلة، ليدرك ثارات بني عبد شمس، ثم قالت: {قَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُون} صبرًا يا معشر المهاجرين والأنصار، قاتلوا على بصيرة من ربكم، وثبات من دينكم، فكأني بكم غدا، وقد لقيتم أهل الشأم كحمر مستنفرة فرت من قسورة٣، لا تدري أنى يسلك بها من فجاج الأرض، باعوا الآخرة بالدنيا، واشتروا الضلالة بالهدى، وعما قليل ليصبحن نادمين، حين تحل بهم الندامة، فيطلبون الإقالة، ولات حين مناص، إنه من ضل والله عن الحق وقع في الباطل، ألا إن أولياء الله استقصروا عمر الدنيا فرفضوها، واستطابوا الآخرة فسعوا لها، فالله الله أيها الناس، قبل أن تبطل الحقوق، وتعطل الحدود، وتقوى كلمة الشيطان، فإلى أين تريدون رحمكم الله عن ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره، وأبي سبطيه، خلق من طينته، وتفرع من نبعته٤،


١ جمع إحنة: وهي الضغينة والحقد، تؤمئ إلى ما كان من قتل علي يوم بدر أخا معاوية "حنظلة بن أبي سفيان" وجده لأمه "عتبة بن ربيعة" وخاله "الوليد بن عتبة".
٢ تشير إلى ماحدث من هند زوج أبي سفيان "أم معاوية" في غزوة أحد، إذ بقرت بطن حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم بعد قتله وأخذت كبده لتأكلها فلاكتها ثم أرسلتها.
٣ الأسد والرماة من الصيادين، والواحد قسور.
٤ النبعة في الأصل واحدة النبع: شجر القسي والسهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>