للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم، وإن أهل الشأم دعونا إلى كتاب الله اضطرارًا، فأجبناهم إليه إعذارًا، فلسنا والقوم سواء، إنا والله ما عدلنا الحي بالحي، ولا القتيل بالقتيل، ولا الشامي بالعراقي، ولا معاوية بعلي، وإنه لأمر منعه غير نافع، وإعطاؤه غير ضائر، وقد كلت البصائر التي كنا نقاتل بها، وقد حمل الشك اليقين الذي كنا نئول إليه، وذهب الحياء الذي كنا نماري به، فاستظلوا في هذا الفيء١، واسكنوا في هذه العافية، فإن قلتم نقاتل على ما كنا نقاتل عليه أمس، فهيهات هيهات ذهب والله قياس أمس وجاء غد".


= فجعل ينثره بتلبيبه ويجره ليرده إلى قريش، وجعل أبو جندل يصرخ بأعلى صوته: يا معشر المسلمين أأرد إلى المشركين يفتنوني في ديني؟ فزاد الناس إلى ما بهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا جندل، اصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا، إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحًا، وأعطيناهم على ذلك وأعطونا عهد الله وإنا لا نغدر بهم"، ووثب عمرو بن الخطاب مع أبي جندل يمشي إلى جنبه ويقول: اصبر يا أبا جندل فإنما هم المشركون. وإنما دم أحدهم دم كلب. ويدني قائم السيف منه. قال عمر: رجوت أن يأخذ السيف فيضرب به أباه فضن الرجل بأبيه ونفذت القضية.
فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه أبو بصير عتبة بن أسيد وكان ممن حبس بمكة، فبعثت قريش في أثره رجلين يطلبان تسليمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بصير إنا قد أعطينا القوم ما قد علمت، ولا يصلح لنا في ديننا الغدر، وإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجًا ومخرجًا. فانطلق إلى قومك". قال: يا رسول الله أتردني إلى المشركين يفتنونني في ديني؟ قال: "يا أبا بصير انطلق"، فانطلق معهما حتى إذا كان في بعض الطريق عدا على أحدما فقتله وهرب الآخر، ورجع أبو بصير إلى المدينة، فقال: يا رسول الله وفت ذمتك، وأدى الله عنك، أسلمتني ورددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم، وخرج أبو بصير إلى ساحل البحر بطريق قريش التي كانوا يأخذون عليها إلى الشام، وخرج المسلمون، الذين كانوا حبسوا بمكة إليه، وانفلت إليه أبو جندل بن سهيل، فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلًا منهم وضيقوا على قريش، لا يظفرون بأحد منهم إلا قتلوه، ولا تمر بهم عير إلا اقتطعوها، حتى كتبت قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله بأرحامها إلا آواهم، فلا حاجة لهم بهم، فآواهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقدموا على المدينة.
١ الفيء: ما كان شمسًا فينسخه الظل.

<<  <  ج: ص:  >  >>