للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم تكلم، فحمد الله عز وجل، وأثنى عليه، ثم قال:

"اللهم إن هذا مقام من أفلج١ فيه كان أولى بالفلج يوم القيامة، ومن نطق فيه وأوعث٢ فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلًا، ثم قال لهم: من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكواء، قال علي: فما أخرجكم علينا؟ قالوا: حكومتكم يوم صفين. قال: أنشدكم بالله أتعلمون أنهم حيث رفعوا المصاحف، فقلتم: نجيبهم إلى كتاب الله، قلت لكم: إني أعلم بالقوم منكم، إنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، إني صحبتهم وعرفتهم أطفالًا ورجالًا، فكانوا شر أطفال وشر رجال، امضوا على حقكم وصدقكم، فإنما رفع القوم هذه المصاحف خديعة وإدهانًا٣ ومكيدة، فرددتم علي رأيي، وقلتم: لا، بل نقبل منهم، فقلت لكم: اذكروا قولي لكم ومعصيتكم إياي، فلما أبيتم إلا الكتاب، اشترطت على الحكمين أن يحييا ما أحيا القرآن، وإن يميتا ما أمات القرآن، فإن حكما بحكم القرآن، فليس لنا أن نخالف حكمًا يحكم بما في القرآن، وإن أبيا فنحن من حكمها برآء، قالوا له: فخبرنا أتراه عدلًا تحكيم الرجال في الدماء؟ فقال: إنا لسنا حكمنا الرجال، إنما حكمنا القرآن، وهذا القرآن إنما هو خط مسطور بين دفتين لا ينطق، إنما يتكلم به الرجال، قالوا: فخبرنا عن الأجل لم جعلته فيما بينك وبينهم؟ قال: ليعلم الجاهل، ويتثبت العالم، ولعل الله عز وجل يصلح في هذه الهدنة هذه الأمة، ادخلوا مصركم رحمكم الله، فدخلوا من عند آخرهم".

"تاريخ الطبري ٦: ٣٧، الكامل للمبرد ٢: ١٢٨".


١ الفلج والإفلاج: الظفر والفوز.
٢ أوعث: وقع في الوعث "الوعث بالسكون: المكان السهل الدهس تغيب فيه الأقدام والطريق العسر".
٣ الإدهان: الغش.

<<  <  ج: ص:  >  >>