للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أنسابها وأحسابها؛ فليست أمة من الأمم إلا وقد جهلت آباءها وأصولها وكثيرًا من أولها، حتى إن أحدهم ليسأل وراء أبيه دنيا١؛ فلا ينسبه ولا يعرفه، وليس أحد من العرب إلا يسمي آباءه أبًا فأبًا، حاطوا بذلك أحسابهم، وحفظوا به أنسابهم، فلا يدخل رجل في غير قومه، ولا ينتسب إلى غير نسبه، ولا يدعى إلى غير أبيه.

وأما سخاؤها؛ فإن أدناهم رجلًا، الذي تكون عنده البكرة والناب٢، عليها بالغه٣ في حموله٤ وشبعه وريه، فيطرقه الطارق، الذي يكتفي بالفلذة٥، ويحتري بالشبة؛ فيعقرها له، ويرضى أن يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن الأحدوثة وطيب الذكر.

وأما حكمة ألسنتهم؛ فإن الله تعالى أعطاهم في أشعارهم ورونق كلامهم، وحسنه ووزنه وقوافيه، ومع معرفتهم الأشياء، وضربهم للأمثال، وإبلاغهم في الصفات، ما ليس لشيء من ألسنة الأجناس ثم خيلهم أفضل الخيل، ونساؤهم أعف النساء، ولباسهم أفضل اللباس، ومعادنهم الذهب والفضة، وحجارة جبالهم الجزع٦. ومطاياهم التي لا يبلغ على مثلها سفر، ولا يقطع بمثلها بلد فقر.

وأما دينها وشريعتها؛ فإنهم متمسكون به، حتى يبلغ أحدهم من نسكه بدينه أن لهم أشهرًا حرمًا، وبلدًا محرمًا، وبيتًا محجوجًا، ينسكون فيه مناسكهم، ويذبحون فيه ذبائحهم، فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه، وهو قادر على أخذ ثأره، وإدراك رغمه٧ منه؛ فيحجزه كرمه، ويمنعه دينه عن تناوله بأذى.


١ هو ابن عمي دنيا بضم الدال وكسرها مع التنوين، وبكسرها بلا تنوين: أي لحمًا.
٢ الناقة المسنة.
٣ البلاغ: الكفاية.
٤ الحمولة والأحمال جمع حمل.
٥ القطعة من الشيء.
٦ الجزع ويكسر: الخرز اليماني الصيني فيه سواد وبياض، تشبه به العيون.
٧ الذل.

<<  <  ج: ص:  >  >>