للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"أليس من العجب أن ينصرني الأزد١، وتخذلني مضر؟ وأعجب من ذلك تقاعد تميم الكوفة بي، وخلاف تميم البصرة علي، وأن أستنجد بطائفة منها تشخص إلى إخوانها فتدعوهم إلى الرشاد، فإن أجابت وإلا فالمنابذة والحرب، فكأني أخاطب صمًّا بكمًا، لا يفقهون حوارًا، ولا يجيبون نداءً، كل هذا جبنًا عن البأس، وحبًّا للحياة، لقد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله نقتل آباءنا وأبناءنا، وإخواننا وأعمامنا٢، ما يزيدنا ذلك إلا إيمانًا وتسليمًا، ومضيًّا على اللقم٣، وصبرًا على مضض الألم، وجدًّا في جهاد العدو، ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان٤ تصاول الفحلين يتخالسان٥ أنفسهما، أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا، ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت٦، وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقيًا جرانه٧، ومتبوئًا أوطانه، ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم، ما قام للدين عمود، ولا اخضر للإيمان عود، وايم الله لتحتلبنها دمًا٨، ولتتبعنها ندمًا".

فقام إليه أعين بن ضبيعة المجاشعي٩ فقال:

"أنا إن شاء الله أكفيك يا أمير المؤمنين هذا الخطب، وأتكفل لك بقتل ابن الحضرمي، أو إخراجه عن البصرة" فأمره بالتهيؤ للشخوص، فشخص إلى البصرة.


١ هم من العرب اليمانيين.
٢ قتلهم الأقارب في ذات الله كثير، قتل علي عليه السلام الجم الغفير من بني عبد مناف وبني عبد الدار في يوم بدر وأحد وهم عشيرته وبنو عمه، وقتل عمر بن الخطاب يوم بدر خاله العاص بن هاشم بن المغيرة، وقتل حمزة بن عبد المطلب شيبة بن ربيعة يوم بدر وهو ابن عمه، ومثل ذلك كثير مذكور في كتب السيرة.
٣ لقم الطريق: الجادة الواضحة منها.
٤ التصاول: أن يصول كل من القرنين على صاحبه.
٥ التخالس: التسالب، أي يبغي كل أن يسلب روح الآخر.
٦ الإذلال.
٧ جران البعير: مقدم عنقه، وهو كناية عن التمكن كالبعير يلقى جرانه على الأرض.
٨ يقال لمن أسرف في الأمر: لتحتلبن دمًا، وأصلها الناقة يفرط في حلبها فيحلب الحالب الدم.
٩ مجاشع بن دارم: أبو قبيلة من تميم، وأعين بن ضبيعة، هو الذي عقر الجمل الذي كانت عليه عائشة يوم الجمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>