للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مقام سيوجف١ بما ينطق به الركب، وتعرف به كنه حالنا العجم والعرب، ونحن جيرانك الأدنون، وأعوانك المعينون، خيولنا جمة، وجيوشنا فخمة، إن استنجدتنا فغير ربض٢، وإن استطرقتنا٣ فغير جهض٤، وإن طلبتنا فغير غمض٥، لا ننثني لذعر، ولا نتنكر لدهر، رماحنا طوال، وأعمارنا قصار".

قال كسرى: أنفس عزيزة وأمة ضعيفة، قال الحارث: أيها الملك وأنى يكون لضعيف عزة أو لصغير مرة! قال كسرى: لو قصر عمرك، لم تستول على لسانك نفسك. قال الحارث: أيها الملك إن الفارس إذا حمل نفسه على الكتيبة مغررًا بنفسه على الموت؛ فهي منية استقبلها، وجنان استدبرها، والعرب تعلم أني أبعث الحرب قدمًا٦، وأحبسها وهي تصرف بها، حتى إذا جاشت نارها، وسعرت لظاها، وكشفت عن ساقها، جعلت مقادها رمحي، وبرقها سيفي، ورعدها زئيري، ولم أقصر عن خوص خضخاضها٧، حتى أنغمس في غمرات لججها، وأكون فلكًا لفرساني إلى بحبوحة كبشها٨، فأستمطرها دمًا، وأترك حماتها جزر٩ السباع وكل نسر


١ وجف الفرس والبعير عدا، وأوجفته: أعديته، يقال: أو جف فأعجف "فما أو جفتم عليه من خيل ولا ركاب" أي ما أعملتم.
٢ يقال: رجل ربض عن الحاجات لا ينهض فيها، وهو هنا جمع ربوض بالفتح من ربضت الشاة كبركت الناقة: أي لا نتقاعس عن نصرتك ولانحجم.
٣ استطرق فحلًا: طلبه منه ليضرب في إله، هذا هو الأصل، والمراد استعنت بنا.
٤ أجهضت الناقة والمرآة ولدها: أسقطته ناقص الخلق، والسقط: جهيض، وجمعه جهض، أي أن فحلنا إذا ضرب النياق "نكحها" لم تأت بجهض بل تنتج، والمراد أنه إن استنجد بهم أثمر ذلك الاستنجاد ولم يخب.
٥ من الغمض، وهو النوم، يقال ما غمضت، ولا أغمضت، ولا اغتمضت؛ فالوصف من الأول غامض، وللمبالغة غموض، والجمع غمض أي فلا تنام عن نصرتك.
٦ القدم: المضي أمام أمام، وهو يمشي القدم: إذا مضى في الحرب. والقدم: المقدام الشجاع. وفي الحديث "طوبى لعبد مغبر قدم في سبيل الله".
٧ الخضخاض: نفط أسود رقيق تهنأ به الإبل الجرب "ولعله خضاخضها" بضم الخاء، والخضاخض: المكان الكثير الماء.
٨ سيد القوم وقائدهم.
٩ أي قطعًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>