للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لعنة الله والعباد، إلى يوم التناد١" قال: "إيهًا يا بن عباس، لقد أكثرت في ابن عمك" قال: "فما تقول في أبيك العباس؟ " قال: "رحم الله العباس أبا الفضل، كان صنو٢ نبي الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقرة عين صفي الله، سيد الأعمام، له أخلاق آبائه الأجواد، وأحلام أجداده الأمجاد، تباعدت الأسباب في فضيلته، صاحب البيت والسقاية والمشاعر٣ والتلاوة، ولم لا يكون كذلك، وقد ساسه أكرم من دبَّ٤" فقال معاوية: "يابن عباس، أنا أعلم أنك كلماني٥ أهل بيتك" قال: "ولم لا أكون كذلك، وقد قال رسول الله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل".

ثم قال ابن عباس بعد هذا الكلام: "يا معاوية، إن الله جل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، خص محمدًا صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بصحابة آثروه على الأنفس والموال، وبذلوا النفوس دونه في كل حال، ووصفهم الله في كتابه فقال: {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ} ، قاموا بمعالم الدين، وناصحوا الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه، وقويت أسبابه، وظهرت آلاء٦ الله، واستقر دينه، ووضحت أعلامه، وأذل الله بهم الشرك، وأزال روحه، ومحا دعائمه، وصارت كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى، فصلوات الله ورحمته وبركاته على تلك النفوس الزاكية، والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله أولياء، وكانوا بعد الموت أحياء أصحاء، رحلوا إلى الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها"، فقطع عليه معاوية الكلام، وقال: إيها ابن عباس، حدثنا في غير هذا.

"مروج الذهب ٢: ٨٤"


١ يوم القيامة.
٢ الأصل فيه أنه إذا خرج نخلتان أو ثلاث من أصل واحد، فكل واحدة منهن صنو والاثنان صنوان والجمع صنوان برفع النون.
٣ شعار الحج بالكسر: مناسكه وعلاماته، والشعيرة والشعارة بالفتح، والمشعر: موضعه، والمشعر الحرام بالمزدلفة.
٤ في الأصل: "من دبَّ" أي مشى، والمعنى عليه صحيح، ولكني أرجح أنه "من أدب" لقوله "وقد ساسه".
٥ رجل كلماني بسكون اللام وفتحها وكلماني بكسرتين مشدد اللام، وبكسرتين مشدد الميم وتكلام وتكلامة بكسر فسكون وتشدد لامهما: جيد الكلام فصيحه.
٦ الآلاء: النعم جمع "إلى" "بفتح أوله وكسره" وأولو "بفتح أوله" وإلى "بفتح ثانيه وفتح أوله أو كسره".

<<  <  ج: ص:  >  >>