للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضربون قُدُمًا قُدُمًا من ناوأهم١، يهون عليهم نباح الكلاب، وعواء الذئاب، لا يفاتون بوترٍ، ولا يسبقون إلى كريم ذكر، قد وطنوا على الموت أنفسهم، وسمت بهم إلى العلياء هممهم، كما قالت الأزدية:

قوم إذا شهدوا الهياج فلا ... ضرب ينهنههم ولا زجر٢

وكأنهم آساد غينة قد ... غرثت وبل متونها القطر٣

فلتكونن منهم بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك، وكان أكبر همك سلامة حشاشة٤ نفسك، ولولا طغام٥ من أهل الشأم وقوك بأنفسهم، وبذلوا دونك مهجهم، حتى إذا ذاقوا وخز الشفار، وأيقنوا بحلول الدمار، رفعوا المصاحف مستجيرين بها، وعائذين بعصمتها، لكنت شلوا مطروحا بالعراء٦، تسفي عليك رياحها٧، ويعتورك ذئابها، وما أقول هذا أريد صرفك عن عزيمتك، ولا إزالتك عن معقود نيتك، لكن الرحم التي تعطف عليك، والأواصر٨ التي توجب صرف النصيحة إليك".

فقال معاوية: "لله درك يا بن عباس، ما تكشف الأيام منك إلا عن سيف صقيل، ورأى أصيل! وبالله لو لم يلد هاشم غيرك، لما نقص عددهم، ولو لم يكن لأهلك سواك لكان الله قد كثرهم"! ثم نهض، فقام ابن عباس، وانصرف".

"شرح ابن أبي الحديد م٢: ص١٠٥".


١ القُدُم: الشجاع والمضي أمام أمام، وناوأهم: عاداهم.
٢ نهنهه عن الأمر: كفه وزجره.
٣ الغينة: بالكسر الأجمة، والغينة بالفتح: الأشجار الملتفة في الجبال وفي السهل بلا ماء، فإذا كانت بماء فهي غيضة، وغرث: كفرح جاع فهو غرثان.
٤ الحشاشة: بقية الروح في المريض والجريح.
٥ الطغام: أوغاد الناس.
٦ العراء: الفضاء لا يستتر فيه بشيء.
٧ سفت الريح التراب تسفيه: ذرته، أو حملته.
٨ في الأصل: "والأوامر" وهو تحريف.

<<  <  ج: ص:  >  >>