للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِجُرَّتِك١ فلم تبق شيئًا، هذا الكلام مردود، من امرئ حسود، فإن كنت سابقًا فإلى من سبقت؟ وإن كنت فاخرًا فبمن فخرت، وإن كنت أدركت هذا الفخر بأسرتك دون أسرتنا، فالفخر لك علينا. وإن كنت إنما أدركته بأسرتنا فالفخر لنا عليك، والكثكث٢ في فمك ويديك وأما ما ذكرت من الطليق، فوالله لقد ابتُليَ فَصَبَرَ، وأُنْعِمَ عليه فشكر، وإن كان والله لَوَفِيًّا كَرِيمًا، غير ناقض بيعةٍ بعد توكيدها، ولا مُسْلِمٍ كتيبة بعد التأمُّرِ عليها٣، فقال ابن الزبير: أَتُعَيِّرُ الزبير بالجبن؟ والله إنك لتعلمُ منه خلافَ ذلك، قال ابن عباس: والله إني لا أعلم إلا أنه فرَّ وما كرَّ، وحارب فما صَبَرَ وبايع فما تمم، وقطع الرحم، وأنكر الفضل، ورام ما ليس له بأهل٤:

وأدرك منها بعض ما كان يرتجى ... وقصر عن جري الكرام وبلدا

وما كان إلا كالهجين أمامه ... عتاق، فجاراه العتاق فأجهدا٥

فقال ابن الزبير: لم يبق يا بني هاشم غير المشاتمة والمضاربة، فقال عبد الله بن الحصين


١ الجرة بالضم والفتح: عصا تربط إلى حبالة، تغيب في التراب للظبي يصطاد بها، فيها وتر، فإذا دخلت يده في الحبالة انعقدت الأوتار في يده، فإذا وثبت ليفلت فمد يده، ضرب بتلك العصاة يده الأخرى ورجله فكسرها، ورسغ البعير: شد رسغ يديه بخيط. والمعنى وقعت في حبالتك، وعاد ما فخرت به حجة عليك لا لك، وفي الأصل "رسعت" بالعين، ولا يستقيم المعنى بذلك "يقال: رسع الصبي كمنع: شد في يده أو رجله خرزا لدفع العين ورسعت أعضاؤه: فسدت واسترخت" وربما كان الأصل "رصعت بجرتك" من رصعه بالرمح إذا طعنه طعنا شديدا غيب السنان كله فيه، أي طعنت بسهمك وارتدت إليك حجتك، ومعناه كالأول.
٢ الكثكث "بفتح الكافين وكسرهما": التراب وفتات الحجارة.
٣ يعرض بالزبير وقد بايع الإمام ثم نكث بيعته، وخَرَجَ لقتاله مع أصحاب الجمل ثم اعتزلهم.
٤ أي رام الخلافة، وقد قال للإمام حين حاوره قبل نشوب وقعة الجمل: "لا أراك لهذا الأمر أهلا ولا أولى به منا".
٥ فرس هجين: إذا لم يكن عتيقًا، وفرس عتيق: أي كريم والجمع عتاق، وفي الأصل "عناق" بالنون، وهو تصحيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>