للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القول الثالث: إن الدباغ لا يطهر ما تحله الذكاة وهو قول مالك في رواية وقول عند الحنابلة (١).

عن سلمة أن النبي أَتَى عَلَى بَيْتٍ قُدَّامُهُ قِرْبَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَسَأَلَ النَّبِيُّ الشَّرَابَ؟ فَقَالُوا: إِنَّهَا مَيْتَةٌ، فَقَالَ: «دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا». وفي لفظ: «ذَكَاةُ الأَدِيمِ دِبَاغُهُ»، وفي لفظ: «دِبَاغُهُ طَهُورُهُ» (٢).

وجه الدلالة بأن ذكاة الأديم دباغه، فإن الدباغ ينزل منزلة الذكاة فالذي يحل جلده إذا مات حتف أنفه، وما لا يحل أكل لحمه إذا ذكى ذكاة شرعية كالحمار الدباغ لا يحل جلده إذا مات حتف أنفه.

واعترض على هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: أن الحديث ضعيف. الثاني: أن قد ورد لفظة: «دِبَاغُهُ طَهُورُهُ» فهو يدل على أن الدباغ يطهر كل إهاب، وهو يوافق حديث: «إِذَا دُبِغَ الْإِهَابُ، فَقَدْ طَهُرَ».

قال أبو ثور: وَلَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّهُ لَا يُتَوَضَّأُ فِي جِلْدِ خِنْزِيرٍ وَإِنْ دُبِغَ فَلَمَّا كَانَ الْخِنْزِيرُ حَرَامًا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ ذُكِّيَ وَكَانَتْ السِّبَاعُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا وَإِنْ ذُكِّيَتْ كَانَ حَرَامًا أَنْ يُنْتَفَعَ بِجِلُودِهَا وَإِنْ دُبْغَتْ قِيَاسًا عَلَى ما أجمعوا عليه من الخنزير إذ كَانَتِ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً (٣).

عن أبي المليح بن أسامة عن أبيه أن رسول الله نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ (٤).


(١) البيان والتحصيل (١/ ١٠١)، الإنصاف (١/ ٨٧).
(٢) إسناده ضعيف: أخرجه أحمد (٥/ ٦) وفي إسناده جون بن قتادة مجهول، قال أحمد: لا أعرفه، وقال الترمذي: لا أدري من هو. وقال ابن المديني: جون معروف. وقال مرة أخرى: مجهول. فالراجح أن جون مجهول والحديث ضعيف، والله أعلم.
والفرق بين قوله: «ذَكَاةُ الأَدِيمِ دِبَاغُهُ» فإن الدباغ ينزل منزلة الذكاة فالذي يحل أكل لحمه بالذكاة فالدباغ يحل جلده إذا مات والذي لا يحل أكل لحمه كالحمار فالدباغ لا يحل جلد. أما قوله: «دِبَاغُهُ طَهُورُهُ» فهو يدل على أن الدباغ يطهر كل إهاب سواء كانت الزكاة أم لا؟
(٣) الاستذكار (١٥/ ٣٢٦).
(٤) الحديث يرويه قتادة عن أبي المليح به. ورواه عن قتادة سعيد بن أبي عروبة، وسعيد أثبت في قتادة ولم يختلف على قتادة، أخرجه أحمد (٥/ ٧٤). ورواه شعبة عن يزيد الرشك عن أبي المليح عن النبي مرسلًا أخرجه الطبراني «الكبير» (١/ ١٩٢) من طريق محمد بن جعفر عن شعبة به. وأخرجه البزار (٢٣٣٢) من طريق محمد بن المثنى عن شعبة عن قتادة عن أبي المليح عن أبيه فوافق حديث سعيد بن أبي عروبة. وعلى كل حال فقتادة أثبت من يزيد الرشك، ويزيد حصل عليه خلاف كثير مما يوهن رواية يزيد. فالصحيح رواية قتادة عن أبي المليح عن أبيه أن رسول الله نَهَى عَنْ جُلُودِ السِّبَاعِ، وإسناده صحيح، والله أعلم.

<<  <   >  >>