للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ (١)». ولا شك أن الإناء لا يسلم من رشاش يقع فيه من أحدهما، وهذا يدل على أن الماء المنفصل من أعضاء المغتسل أو المتوضئ طهور.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة : أَنَّ النَّبِيَّ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ المَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسَ مِنْهُ، فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟» قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا، فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللهِ، إِنَّ المُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ» (٢) فإذا كان المسلم بدنه طاهرًا لاقى ماء طاهرًا، فالتقاء طاهر بطاهر لا يُفقد الماءَ الطُّهُورية.

واستدلوا بحديث الرُّبيع، كَانَ رَسُولُ اللهِ يَأْتِينَا، فَيُكْثِرُ، فَأَتَانَا فَوَضَعْنَا لَهُ الْمِيضَأَةَ، فَتَوَضَّأَ، فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا، وَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، مَرَّةً مَرَّةً، وَغَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا، وَمَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ وَضُوئِهِ فِي يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ (٣).

وجه الدلالة: أن النبي مسح رأسه - وهو فرض - بالماء المتبقي من غسل يديه، وهو ماء مستعمل بلا شك، استعمل في رفع الحدث.

واستدلوا بأن الماء المتردد على العضو طهور بالإجماع، مع أنه يمر على أول اليد، ثم يمر على آخرها، ولم يمنع كونه استعمل في أول العضو أن يطهر بقية العضو، وهذا ماء مستعمل بيقين.

قال ابن حزم: فَلَا يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي أَنَّ كُلَّ مُتَوَضِّئٍ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ الْمَاءَ فَيَغْسِلُ بِهِ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ إلَى مِرْفَقِهِ، وَهَكَذَا كُلُّ عُضْوٍ فِي الْوُضُوءِ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ، وَبِالضَّرُورَةِ وَالْحِسِّ يَدْرِي كُلُّ مُشَاهِدٍ لِذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ الْمَاءَ قَدْ وُضِّئَتْ بِهِ الْكَفُّ وَغُسِلَتْ، ثُمَّ غُسِلَ بِهِ أَوَّلُ الذِّرَاعِ ثُمَّ آخِرُهُ، وَهَذَا مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بِيَقِينٍ، ثُمَّ إنَّهُ يَرُدُّ يَدَهُ إلَى الإِنَاءِ وَهِيَ تَقْطُرُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي طَهَّرَ بِهِ الْعُضْوَ، فَيَأْخُذُ مَاءً آخَرَ لِلْعُضْوِ الآخَرِ، فَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ


(١) البخاري (٢٦١)، ومسلم (٣٢١).
(٢) البخاري (٢٨٥)، ومسلم (٣٧١).
(٣) ضعيف: أخرجه أحمد (٦/ ٣٥٨)، وأبو داود (١٣٠)، وابن ماجه (٤١٨) وغيرهم، ومدار الحديث على عبد الله بن محمد بن عقيل، وقد تفرد به، وهو ضعيف.

<<  <   >  >>