للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التسمية، ففي الصحيحين من حديث حُمْرَانَ مَوْلَى عُثْمَانَ أَنَّهُ رَأَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ دَعَا بِإِنَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى كَفَّيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، فَغَسَلَهُمَا، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ فِي الإِنَاءِ، فَمَضْمَضَ، وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا، وَيَدَيْهِ إِلَى المِرْفَقَيْنِ ثَلَاثَ مِرَارٍ، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ إِلَى الكَعْبَيْنِ، ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله : «مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» (١). فعثمان وصف وضوء النبي ولم يذكر فيه التسمية.

الوجه الثاني: أن أحاديث التسمية لو صحت فيصعب الجمع بينها وبين الأحاديث الأخرى لأن المتن: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ اسْمَ الله تَعَالَى عَلَيْهِ»، فالمعنى: فكما أنه لا تصح صلاة بغير وضوء، فكذا لا يصح وضوء بغير تسمية.

وكيف يليق بالصحابة وهم يصفون وضوء النبي أن يهملوا التسمية؟! ففي الصحيحين من حديث عَمْرِو بْنِ يَحْيَى، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِ الله بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ جَدُّ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى: أَتَسْتَطِيعُ أَنْ تُرِيَنِي كَيْفَ كَانَ رَسُولُ الله يَتَوَضَّأُ؟ فَقَالَ عَبْدُ الله بْنُ زَيْدٍ: نَعَمْ. فَدَعَا بِمَاءٍ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَ مَرَّتَيْنِ، ثُمَّ مَضْمَضَ، (٢) ثم وصف وضوء رسول الله ولم يذكر التسمية.

القول الرابع: أن التسمية في الوضوء مكروهة. وهو قول في مذهب مالك (٣).

واستدلوا لذلك بعموم قوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ … ﴾ [المائدة: ٦]. والآية لم تذكر فيها التسمية ولو كانت مشروعة لذكرت.

واعترض عليه: بأن هناك سننًا للوضوء لم تُذكر في الآية.

وأجيب عنه: بأن السنن وردت بأدلة صحيحة.


(١) «البخاري» (١٥٩)، و «مسلم» (٢٣٦).
(٢) «البخاري» (١٨٥)، و «مسلم» (٢٣٥).
(٣) «حاشية العدوي» (١/ ١٨٢).

<<  <   >  >>