للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ لِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَى الْعُضْوِ إِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ (١).

واعترض على هذا الاستدلال بأن أفعال النبي في الحج منها الركن ومنها الواجب ومنها السنة.

وقد روى مسلم: رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَرْمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَيَقُولُ: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ» (٢).

والسؤال: هل رمي الجمار على الراحلة واجب؟

قال ابن القيم: في حديث: «لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ» أن نفعل كما فعل على الوجه الذي فعل، فإذا كان قد فعل فعلًا على وجه الاستحباب فأوجبناه لم نكن قد أخذنا عنه وتأسينا به، مع أنه فعل في حجته أشياء كثيرة جدًّا لم يوجبها أحد من الفقهاء (٣).

واستدلوا بأن الطواف كالصلاة وإذا كان يشترط للصلاة الطهارة من الحدثين فكذا الطواف، دل على ذلك ما رُوى عن ابن عباس أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «الطَّوَافُ حَوْلَ البَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ، إِلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمَنَّ إِلَّا بِخَيْرٍ» (٤).


(١) «أضواء البيان» (٥/ ٢٠٣).
(٢) «مسلم» (١٢٩٣).
(٣) «تهذيب السنن» (١/ ٥٣).
(٤) مدار الحديث على طاوس عن ابن عباس. ويرويه عن طاوس جماعة، منهم:
١) عطاء بن السائب واختلف عليه: فرواه جرير بن عبد الحميد عند الترمذي (٣/ ٩٣)، وأبي يعلى (٢٥٩٩)، والثوري عند الحاكم (١/ ٤٥٩)، وابن عيينة عند الحاكم (١/ ٤٥٩)، والفضيل بن عياض عند الدارمي (١٨٤٧) وغيرهم عن عطاء عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا.
وخالفهم ابن فضيل فرواه عن عطاء موقوفًا، أخرجه ابن أبي شيبة (٣/ ١٣٤)، رقم (١٢٨٠٦) ولا شك أن رواية الجماعة أَوْلى من رواية ابن فضيل من طريق عطاء، ولكن العلة أنه خالف عطاء على الوقف جماعة من الثقات، وحديثهم أولى بالصواب.
٢) ورواه عبد الله بن طاوس عن ابن عباس موقوفًا عند عبد الرزاق (٩٧٨٩).
٣) ورواه إبراهيم بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا، أخرجه عبد الرزاق (٩٧٩٠)، والنسائي «الكبرى» (٢/ ٤٠٦)، والبيهقي (٥/ ٨٧)، وإذا كان ورد مرفوعًا عن عبد الله بن طاوس عند الطبراني (١١/ ٣٤٠، ٣٤١)، فقد قال الحافظ «التلخيص» (١/ ٢٢٦): رفعه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير وهو ضعيف، ورواه الحسن بن مسلم عن طاوس عن رجل أدرك النبي، موقوفًا عند النسائي (٢٩٢٢).
فتلخص أن مدار الحديث على طاوس عن ابن عباس فرواه عبد الله بن طاوس والحسن بن مسلم، وإبراهيم بن ميسرة عن طاوس موقوفًا، ورواه عطاء بن السائب وليث بن أبي سليم عن طاوس مرفوعًا عند الطبراني (١١/ ٤٣)، وعطاء مختلط وليث ضعيف، فالراجح رواية عبد الله بن طاوس، والحسن بن مسلم، وإبراهيم بن ميسرة، قال الحافظ «التلخيص» (١/ ٢٢٥): رجح الموقوف النسائي والبيهقي وابن الصلاح والمنذري والنووي، وقال الترمذي: روى هذا الحديث عن ابن طاوس وغيره عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء.

<<  <   >  >>