للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَتَانَا رَسُولُ الله يَتْلُو كِتَابَهُ … كَمَا لَاحَ مَشْهُورٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِع

أَتَى بِالْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا … بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ

يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ … إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ

فَقَالَتْ: آمَنْتُ بِالله وَكَذَّبْتُ الْبَصَرَ!! ثُمَّ غَدَا عَلَى رَسُولِ الله ، فَأَخْبَرَهُ فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ (١).

واعترض على هذا الاستدلال من وجهين:

الأول: أنه لم يصح عن رسول الله.

الثاني: ما قاله ابن حزم: فَأَمَّا مَنْ مَنَعَ الْجُنُبَ مِنْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ، فَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ الله بْنُ سَلَمَةَ عن عليِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «أَنَّ رَسُولَ الله لَمْ يَكُنْ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ لَا يُلْزِمُ، وَلَا بَيَّنَ أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ.

وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ، وَهُوَ لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلًا غَيْرَ رَمَضَانَ، وَلَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي قِيَامِهِ عَلَى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، وَلَا أَكَلَ قَطُّ عَلَى خِوَانٍ، وَلَا أَكَلَ مُتَّكِئًا، أَفَيَحْرُمُ أَنْ يُصَامَ شَهْرٌ كَامِلٌ غَيْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ يَتَهَجَّدَ الْمَرْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، أَوْ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى خِوَانٍ أَوْ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا؟ هَذَا لَا يَقُولُونَهُ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا،


(١) القصة ضعيفة والأبيات ثابتة عن ابن رواحة من طرق أخرى، أخرجه الدارقطني (١/ ١٢٠). وفي إسناده: زمعة بن صالح: ضعيف، وعكرمة لم يسمع من ابن رواحة. قال النووي: «المجموع» (٢/ ١٥٩): ولكن إسناد هذه القصة ضعيف ومنقطع. وقال محمد رشيد رضا في «فتاويه» (٣/ ٩٧٠): أما وجه من حكى بوضعها، فهو ما فيه من نسبة تعمد الكذب من صحابي من الأنصار الأولين الصادقين الصالحين، وتسمية الشعر قرآنًا، أي نسبته إلى الله ﷿ القائل فيه: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ وإقرار النبي له على ذلك بالضحك الدال على الاستحسان كما صرح به في بعض الروايات، وقد صرح العلماء بأن من نسب إلى القرآن ما ليس منه كان مرتدًّا.
قلت: ولهذا الحديث شواهد كلها ضعيفة.

<<  <   >  >>