للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».

فالحائض يباح لها كل شيء بما في ذلك قراءة القرآن إلا الطواف بالبيت.

واعترض عليه بأن ذلك مقصور على أفعال الحج من طواف ورمي وغيرهما، وليست قراءة القرآن من أفعال المناسك، فلا يدخل في عموم قوله : «فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الحَاجُّ».

وأجيب عنه بما قاله الحافظ: وَالْأَحْسَنُ مَا قَالَه ابْنُ رَشِيدٍ تَبَعًا لِابْنِ بَطَّالٍ وَغَيْرِهِ أِنَّ مُرَادَهُ الِاسْتِدْلَالُ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ مِنْ جَمِيعِ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إِلَّا الطَّوَافَ، وَإِنَّمَا اسْتَثْنَاهُ لِكَوْنِهِ صَلَاةً مَخْصُوصَةً، وَأَعْمَالُ الْحَجِّ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْر وَتَلْبِيَةٍ وَدُعَاءٍ، وَلَمْ تُمْنَعِ الْحَائِضُ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْجُنُبُ لِأَنَّ حَدَثَهَا أَغْلَظُ مِنْ حَدَثِهِ، وَمَنْعُ الْقِرَاءَةِ إِنْ كَانَ لِكَوْنِهِ ذِكْرا لِله فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذُكِر، وَإِنْ كَانَ تَعَبُّدًا فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ خَاصٍّ (١).

واستدلوا بما ورد في الصحيحين عن ابن عباس ﴿في حديث طويل أن رَسولَ اللهِ إِلَيَّ هِرَقْلُ كِتَابًا وَفِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، ﴿يَا أَهْلَ الكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ ٦٤﴾ (٢). فإذا كان يجوز لغير المسلم أن يقرأ آية من كتاب الله، فيجوز قراءة القرآن للحائض والجنب من باب أَوْلى.

قال ابن حزم: بعض الآية والآية قرآن بلا شك، ولا فرق بين أن يباح له آية أو أن يباح له أخرى، أو بين أن يُمنع من آية أو يُمنع من أخرى.

والراجح: القول بجواز قراءة القرآن للحائض والجنب؛ لأن النبي كان يذكر الله على كل أحيانه. والذِّكْر قد يكون بقراءة القرآن وقد يكون بغيره، ولا يصح دليل في منع الحائض من قراءة القرآن.


(١) «فتح الباري» (١/ ٤٠٨).
(٢) «البخاري» (٧)، و «مسلم» (١٧٧٣).

<<  <   >  >>