للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إِنْ وَجَدَ» (١).

واستدلوا بدلالة الاقتران، فكما أن الطِّيب مستحب بالإجماع فكذا الغسل.

واعترض عليه من وجهين: الأول: أن دلالة الاقتران ضعيفة في الاستدلال، قال تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ والأكل مباح. (وآتوا حقه) هو الزكاة وهي ركن من أركان الإسلام.

الثاني: روى البخاري: عن عَمْرٌو بن سليم الأنصاري قال: وهو الراوي لهذا الحديث: أَمَّا الغُسْلُ، فَأَشْهَدُ أَنَّهُ وَاجِبٌ، وَأَمَّا الاِسْتِنَانُ وَالطِّيبُ، فَاللهُ أَعْلَمُ، أَوَاجِبٌ هُوَ أَمْ لَا.

وأجيب عنه: بأن دلالة الاقتران في الغالب تفيد التساوي في الحكم.

وفي الصحيحين عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَر بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ فِي الخُطْبَةِ يَوْمَ الجُمُعَةِ، إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ قَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ التَّأْذِينَ، فَلَمْ أَزِدْ أَنْ تَوَضَّأْتُ. فَقَالَ: وَالوُضُوءُ أيضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ (٢).

وجه الدلالة ما قاله ابن عبد البر: وَمِنَ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ أَمْرَ رَسُولِ الله بِالْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَاجِبٍ أَنَّ عُمَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَأْمُرْ عُثْمَانَ بِالِانْصِرَافِ لِلْغُسْلِ وَلَا انْصَرَفَ عُثْمَانُ حِينَ ذِكَّرهُ عُمَرُ بِذَلِكَ، وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ وَاجِبًا فَرْضًا لِلْجُمُعَةِ مَا أَجْزَأَتِ الْجُمُعَةُ إِلَّا بِهِ، كَمَا لَا تُجْزِئُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِوُضُوءٍ لِلْمُحْدِثِ أَوْ بِالْغُسْلِ لِلْجُنُبِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ مَا جَهِلَهُ عُمَرُ وَلَا عُثْمَانُ (٣).

قال القاضي عياض: وهذا قول من عمر وإقرار بمحضر جماعة الصحابة، ولا مُنكر له ولا مخالف، فهو كالإجماع، وعامة الفقهاء والأصوليين منهم يَعدون هذا إجماعًا (٤).


(١) البخاري (٨٨٠) ومسلم (٨٤٦).
(٢) البخاري (٨٧٨) ومسلم (٨٤٥).
(٣) التمهيد (٥/ ٢٤٧).
(٤) إكمال المعلم (٣/ ٢٣٣).

<<  <   >  >>