للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عبد البر: وَحُجَّةُ مَنْ رَأَى أَنَّ التَّيَمُّمَ إِلَى الْكُوعَيْنِ جَائِزٌ وَلَمْ يَرَ بُلُوغَ الْمِرْفَقَيْنِ وَاجِبًا ظَاهِرُ قَوْلِ الله ﷿: ﴿فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٦] هُوَلَمْ يَقُلْ إِلَى (الْمِرْفَقَيْنِ) وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، فَلَمْ يَجِبْ بِهَذَا الْخِطَابِ إِلَّا أَقَلُّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ يَدٍ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَمَا عَدَا ذَلِكَ شَكٌّ وَالْفَرَائِضُ لَا تَجِبُ إِلَّا بِيَقِينٍ، وَقَدْ قَالَ الله ﷿: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة: ٣٨] وَثَبَتَتِ السُّنَّةُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهَا أَنَّ الْأَيْدِيَ فِي ذَلِكَ أُرِيدَ بِهَا مِنَ الْكُوعِ فَكَذَلِكَ التيمم إذ لم يذْكُر فيه المِرْفَقْين، وَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ فِي أَكْثَرِ الْآثَارِ فِي التَّيَمُّمِ أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ، وَكَفَى بِهَذَا حُجَّةً لِأَنَّهُ لو كان ما زاد على ذلك واجبًا لَمْ يَدَعْهُ رَسُولُ الله (١).

القول الثاني: ذهب جمهور العلماء إلى أنه يجب في التيمم ضربتان في الأرض، ضربة يمسح بهما وجهه، وضربة يمسح بها يديه إلى المرفقين (٢).

وسئل مالك: كيف التيمم؟ فقال: يضرب ضربة للوجه، وضربة لليدين ويمسحهما إلى المرفقين (٣).

واستدلوا بما روى أبو داود عن نَافِعٍ قَالَ: انْطَلَقْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فِي حَاجَةٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَضَى ابْنُ عُمَرَ حَاجَتَهُ فَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِ يَوْمَئِذٍ أَنْ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ الله فِي سِكَّةٍ مِنَ السِّكَكِ، وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى إِذَا كَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَتَوَارَى فِي السِّكَّة ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْحَائِطِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ وَقَالَ: «إِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ» (٤).


(١) «التمهيد» (١٩/ ٢٨٢، ٢٨٣).
(٢) «بدائع الصنائع» (١/ ٤٥)، و «المدونة» (١/ ٤٢)، و «الأم» (١/ ٤٩).
(٣) «الموطأ» (١/ ٥٦).
(٤) ضعيف: أخرجه أبو داود (٣٣٠)، وفي إسناده: محمد بن ثابت العبدي، لين الحديث، وتابع محمد ابن ثابت عبيد الله بن عمر، ولكن الراوي عنه علىّ بن ظبيان: واهي الحديث، أخرجه الدارقطني «السنن» (١/ ١٨٠)، وتابع علي بن ظبيان، محمد بن سنان وهو ضعيف.
وخالفهما سفيان الثوري كما في «الأوسط» (٢/ ٤٨)، ويحيى القطان، وهشيم كما في «سنن الدارقطني» (١/ ١٨٠)، فرووه عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر موقوفًا، وأخرجه الدارقطني (١/ ١٨١)، عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعًا وسليمان: متروك.
ورواه أيوب عن عبد الرزاق (٨١٨)، ومالك في «الموطأ» (١/ ٥٨)، ويونس بن عبيد عند الدارقطني (١/ ١٨٠)، عن نافع عن ابن عمر موقوفًا وهو الصحيح، ورواية الرفع منكرة وقد صحح الوقف أبو زرعة والبخاري. انظر «التاريخ الكبير» (١/ ٥٠)، و «التمهيد» (١٩/ ٢٨٧).

<<  <   >  >>