للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن القيم: لا نزاع أن الحامل قد ترى الدم على عادتها، ولا سيما في أول حملها، وإنما النزاع في حكم هذا الدم لا في وجوده، وقد كان حيضًا قبل الحمل بالاتفاق، فنحن نستصحب حكمه حتى يأتي ما يرفعه، فكيف نحكم له بأنه حيض قبل الحمل، وبعده لا نثبت له نفس الحكم، مع أن الدم هو الدم، والرائحة هي الرائحة؟! وهذا تفريق بين متماثلين (١).

ومن الأدلة ما ذكره ابن القيم: وَلِأَنَّ الدَّمَ الْخَارِجَ مِنَ الْفَرْجِ الَّذِي رَتَّبَ الشَّارِعُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ قِسْمَانِ: حَيْضٌ وَاسْتِحَاضَةٌ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمَا ثَالِثًا، وَهَذَا لَيْسَ بِاسْتِحَاضَةٍ، فَإِنَّ الِاسْتِحَاضَةَ الدَّمُ الْمُطْبِقُ، وَالزَّائِدُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ، أَوِ الْخَارِجُ عَنِ الْعَادَةِ، وَهَذَا لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ اسْتِحَاضَةً، فَهُوَ حَيْضٌ. قَالُوا: وَلَا يُمْكِنُكُمْ إِثْبَاتُ قِسْمٍ ثَالِثٍ فِي هَذَا الْمَحَلِّ، وَجَعْلُهُ دَمَ فَسَادٍ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ دَلِيلٍ يَجِبُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ، وَهُوَ مُنْتَفٍ. قَالُوا: وَقَدْ رَدَّ النَّبِيُّ الْمُسْتَحَاضَةَ إِلَى عَادَتِهَا، وَقَالَ: «اجْلِسِي قَدْرَ الْأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ». فَدَلَّ عَلَى أَنَّ عَادَةَ النِّسَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي وَصْفِ الدَّمِ وَحُكْمِهِ، فَإِذَا جَرَى دَمُ الْحَامِلِ عَلَى عَادَتِهَا الْمُعْتَادَةِ، وَوَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَلَا انْتِقَالٍ، دَلَّتْ عَادَتُهَا عَلَى أَنَّهُ حَيْضٌ، وَوَجَبَ تَحْكِيمُ عَادَتِهَا، وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الْفَسَادِ الْخَارِجِ عَنِ الْعِبَادَةِ.

القول الثاني: ذهب جمهور العلماء إلى أن الحامل لا تحيض، وهو المشهور من مذهب الحنفية، والقول القديم للشافعي، والحنابلة (٢).

واستدلوا بما ورد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ الله أَنْ تُوطَأَ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، أَوْ حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ (٣).


(١) زاد المعاد (٤/ ٢٣٥) بتصرف.
(٢) شرح فتح القدير (١/ ١٨٦)، روضة الطالبين (١/ ٧٤)، الإنصاف (١/ ٣٥٧).
(٣) حسن لشواهده: أخرجه الدارقطني (٣/ ٢٥٧)، ولهذا الحديث علتان:
الأولى في إسناده: عمرو بن مسلم، ضَعَّفه أحمد والنسائي، واختلفت الرواية عن ابن معين.
الثانية: روى ابن أبي شيبة (المصنف) (٤/ ٣٠) من طريق معمر عن عمرو بن مسلم عن طاوس أن رسول الله … فَذَكَره أي مرسلًا.
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري، أخرجه أحمد (٣/ ٦٢)، وأبو داود (٢١٥٧»، وفي إسناده شريك سيئ الحفظ. وله شاهد مرسل، رواه ابن أبي شيبة (٤/ ٢٩).
وله شاهد عن رويفع بن ثابت، أخرجه أحمد (٤/ ١٠٨) وإن كان في إسناده ابن لهيعة فقد أخرجه أبو داود (١١٥٨) من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع به. وإسناده حسن.

<<  <   >  >>