للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دَمِ الطَّمْثِ لَبَنًا يَتَغَذَّى بِهِ الْوَلَدُ؛ وَلِهَذَا لَا تَحِيضُ الْمَرَاضِعُ. قُلْنَا: وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ حُجَّتِنَا عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ هَذَا الِانْقِلَابَ وَالتَّغْذِيَةَ بِاللَّبَنِ إِنَّمَا يَسْتَحْكِمُ بَعْدَ الْوَضَعِ، وَهُوَ زَمَنُ سُلْطَانِ اللَّبَنِ وَارْتِضَاعِ الْمَوْلُودِ، وَقَدْ أَجْرَى اللهُ الْعَادَةَ بِأَنَّ الْمُرْضِعَ لَا تَحِيضُ. وَمَعَ هَذَا فَلَوْ رَأَتْ دَمًا فِي وَقْتِ عَادَتِهَا، لَحُكِمَ لَهُ بِحُكْمِ الْحَيْضِ بِالِاتِّفَاقِ، فَلَأَنْ يُحْكَمُ لَهُ بِحُكْمِ الْحَيْضِ فِي الْحَالِ الَّتِي لَمْ يَسْتَحْكِمْ فِيهَا انْقِلَابُهُ، وَلَا تَغَذَّى الطِّفْلُ بِهِ أَوْلى وَأَحْرَى. قَالُوا: وَهَبْ أَنَّ هَذَا كَمَا تَقُولُونَ فَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ احْتِيَاجِ الطِّفْلِ إِلَى التَّغْذِيَةِ بِاللَّبَنِ، وَهَذَا بَعْدَ أَنْ يُنْفَخَ فِيهِ الرُّوحُ. فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ لَبَنًا لِعَدَمِ حَاجَةِ الْحَمْلِ إِلَيْهِ وَأيضًا، فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ كُلُّهُ لَبَنًا، بَلْ يَسْتَحِيلُ بَعْضُهُ، وَيَخْرُجُ الْبَاقِي.

واستدلوا بأن الحمل يُعرف بانقطاع دم الحيض.

قال أحمد: إنما يعرف النساء الحمل بانقطاع الدم (١).

واعترض عليه: بأن هذا هو الغالب، كما أن الغالب في المرضع أنها لا تحيض، وإذا نزل عليها دم الحيض كانت حائضًا بالإجماع، فكذا الحامل.

واستدلوا بأن المطلقات عدتهن ثلاث حيض، فلو كانت الحامل تحيض لكان عدتها ثلاث حيض.

واعترض عليه: بأنه لو أمكن انقضاء عدة الحامل بثلاث حيض قبل وضع حملها، لأفضى ذلك إلى أنها تتزوج وهي حامل من غيره فيسقي ماؤه زرع غيره (٢).

والراجح: أن الحامل إذا نزل عليها دم بصفة الحيض فهي حائض تدع الصلاة والصوم وغير ذلك حتى ينقطع الدم، فإذا انقطع اغتسلت وصامت وصلت، دل على ذلك عموم قوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فإذا وُجد الحيض وُجد حكمه، والله أعلم.


(١) المغني (١/ ٤٤٤).
(٢) انظر زاد المعاد (٤/ ٢٣٦) بتصرف.

<<  <   >  >>